| 0 التعليقات ]





تحدث مرارا المفكر اليهودي المناهض للصهيونية "جاكوب كوهن" عن إجراء عملي بسيط كفيل بتغيير موازين القوى في الصراع مع العدو الصهيوني. للأسف هذا الإجراء يحول دونه غلبة مصالح شخصية ضيقة لبضع مئات أو بضعة آلاف من الأفراد على حساب المصالح الاستراتيجية والحيوية لمليار ونصف مسلم بل ول7 مليارات من بني آدم.

نعم بضعة آلاف من الأفراد يستفيدون من أموال/مناصب في شبكة سلطة شكلية فارغة ويلهثون وراء سراب اسمه "حل الدولتين"؛ يرهنون مصير الإنسانية كلها ويقدمون صورة ملتبسة عن طبيعة الوضع وحقيقة المعركة.

يقوم الإجراء على أن يرفض البضعة آلاف من الأفراد (المسؤولين في مختلف الهياكل؛ الوزراء، السفراء، أعضاء المجلس التشريعي، أعضاء الدواوين والمكاتب الخاصة... إلخ) الامتيازات المغشوشة ويسلموا "السلطة المزعومة" لأصحابها الصهاينة. لأنه حينئذ ستسمى الأمور بمسمياتها. سيتحدث الناس عن احتلال دولة يُفترض فيه أن يقابل بمقاومة مستمرة. آنذاك ستتغير كل المقاربات وستتمايز كل الخطابات.

آنذاك سيتعامل الجميع مع القضية كما تعاملوا مع قضايا التحرر من الاستعمار. آنذاك ستنكشف الدعاوى بامتياز محليا وعالميا. آنذاك سيتساءل الجميع هل نحن في القرن 21 الذي يفترض أن الجميع غادر فيه زمن الاستعمار "التقليدي" (العسكري والسياسي) أم مازلنا في القرن 19 وفي مستهل القرن العشرين؟

قد يتساءل البعض، إذا كان وجود "السلطة" هو عقدة العقد في القضية، فلماذا لم يتم التحرر من الاستيطان الصهيوني قبل ميلادها في تسعينيات القرن الماضي؟

طبعا، لا قياس مع وجود الفارق. قبل التسعينيات، العالم فيه قطبية، ولم تكن فيه الليبرالية وحقوق الإنسان نغمة عالمية، ومازال يعج بالمستعمرات هنا وهناك، وكانت وسائل التواصل ضعيفة، وكان الوعي محدودا ومحتكرا من طرف النخبة.

ولهذا أخوف ما تخاف عليه أمريكا (مع الرؤساء السابقين) هو اغتيال "السلطة" وتوقف مسار "التسوية". لأن جنونها سيجن إذا كان العالم سيصطف بناء على ثنائية واحدة واضحة هي صف "الاحتلال  الصهيوني" وصف "المقاومة التحررية"؛ فنتيجة هذا الاصطفاف محسومة لصالح الأحرار.

لهذا بُعَيد 1991 حين تشكل النظام العالمي أحادي القطبية المتصل بليبرالية مصطنعة ومبتذلة، سعت أمريكا وحلفاؤها إلى اختيار مفردة ليبرالية هي "السلام" لتؤطر البنية الذهنية لعموم الأفراد الخاضعين لقصفها الإعلامي وبناء علي ذلك وظفت ثنائية خادعة في اصطفاف الأفراد تجاه القضية الفلسطينية هي ثنائية أن "السلام/الإرهاب". وبالموازاة مع ذلك قامت بخنق أنفاس الثنائية الحقيقية الأقوى من حيث الدلالات الليبرالية أيضا هي ثنائية "التحرر/الاستعمار".

ما قررته أمريكا، يمكن تجاوزه بالقدرة على قول "لا" (لمسار "الدولتين") من طرف نخبة مأجورة، وإلا فالخطوة الأولى هي البحث عن سبل التحرر من هذه النخبة قبل التحرر من الاستعمار الصهيوني. لأن ذلك هو المدخل الأساس لتجاوز مخلفات عمليات تزييف الوعي التي تحدد إطارا للتفكير في الشأن الفلسطيني يقوم على ثنائية الانحياز لإحدى الصفين "السلام" أو "الإرهاب". والانطلاق نحو بناء خريطة إدراكية حقيقية للمشهد الفلسطيني قوامها وضوح الاصطفافات والتحيزات: دعم مسار "التحرر" أو تأبيد  "الاستعمار". 


0 التعليقات

إرسال تعليق