| 0 التعليقات ]

توفي الأستاذ محمد قطب، صباح يوم الجمعة 04 جمادى الثانية 1435 الموافق ل04 أبريل 2014 بمستشفى المركز الطبي الدولي في مدينة جدة بالسعودية، عن عمر يناهز 95 عاما. 
قرأت الخبر في الشريط ( الملَخص للأنباء المتواترة و الأخبار المستجدة ) الذي يَمر بقناة الأقصى الفضائية. تذكرت الأستاذ محمدا و ما يمثله لأجيال ممتدة في الحركة الإسلامية في الوطن العربي . 
في كل مناسبة تُيسر لي أن نعيد الحديث عن الأستاذ محمد قطب و إلماعاته خصوصا في علم النفس الإسلامي إلا و سارعتُ بالدعاء له بأن يطيل الله عمره. و كنت أتمنى أن تسنح لي الفرصة بزيارته في مكة المكرمة. 
للأستاذ محمد كبير الأثر في تكويني الفكري و العقائدي، فقد قرأتُ له فصل " الإسلام و الرجعية " في كتاب : " شبهات حول الإسلام "، في السنة الثالثة إعدادي ، في محاولة  مني للدفاع عن النفس و تحصينها مما قد يلحق بها من الاضطراب النفسي بسبب النعوت التي تسمُنا ب"الماضوية" و "الرجعية" و "بالعامية: مْعْقْد...".  كما قرأث له كتاب " الإنسان بين المادية و الإسلام"، الذي يمثل الخميرة الأولى لبواكير تأملاته في النفس الإنسانية و التصور القرآني لها، في السنة الثالثة إعدادي. قراءة الكتاب و تلخيص أفكاره و عرضها أمام إخواني شكل مرحلة فاصلة في تكويني الفكري. التحول الجوهري الذي أثاره في نوازع نفسي هذا الكتاب تمثل في إثارته في نفسي سؤال نظرة  الإسلام للكون و الإنسان و الحياة: انتقل بي الكتاب من فهم الإسلام على كونه مجرد إرشادات فيها " افعل، لا تفعل " إلى اعتباره رؤية و منهج شامل للحياة تتجاوز ضيق النظرة المسيحية المتزمتة و الرؤية المادية المعتسفة مما زادني تمسكا بالإسلام كإطار للفكر و الحياة. علاوة على هذا، شَكل لي الكتاب الأول الذي كتبه أستاذنا محمد قطب ( الإنسان بين المادية و الإسلام ) المحطة الأولى  نحو الاهتمام بالقضية الفكرية و الاشتغال بالأسئلة المنهجية الكبرى  ( التي تتناول : الإنسان، الإيمان، الحياة ، الكون ، الدار الآخرة ). 
كتابه الموسوم ب" معركة التقاليد" - على صغر حجمه - أفادني كثيرا في استيعاب مشروع الدكتور عبد الوهاب المسيري فيما بعد، فالفكرة التي يروج لها الأستاذ محمد في الكتاب مفادها أن المعركة المحتدمة  الحامية الوطيس في العالم هي بين أنصار الإنسان- الإنسان و دعاة الإنسان-الحيوان ( و الجسد الشهوان = أتباع الداروينية و الفرويدية ). هي ذات الفكرة التي طورها الدكتور عبد الوهاب المسيري بنَفَس آخر و بمقدرة تحليلية و تفسيرية عالية في مشروعه الفكري الذي يدافع عن الإنسان/ الإنسان ( = الإنسان الرباني ) ضد الإنسان الطبيعي ( = المادي ).
الأستاذ محمد قطب يصغر أخاه الشهيد سيد  ب13 سنة، فهو تلميذه. تخصصه في علم النفس و تزوده من الأدوات التحليلية التي يستعملها سيد في التعامل مع النص القرآني مَكناه من استجلاء دُرر القرآن المرتبطة بموضوع  النفس الإنسانية و تقابلاتها و تأرجحاتها.
رحم الله الأستاذ الكبير، معلم الجيل ، محمد قطب على ما قدمه للمكتبة الإسلامية و للصحوة الإسلامية من جليل الخدمات. فالأستاذ محمد قطب و الشهيد سيد قطب و الأستاذ مالك بن نبي و الدكتور عبد الوهاب المسيري و الشيخ عبد السلام ياسين و الشيخ راشد الغنوشي و الدكتور أحمد الريسوني و الدكتور يوسف القرضاوي و الشيخ محمد الغزالي  و الفيلسوف المسلم طه عبد الرحمان و الفيلسوف الراحل روجي غارودي و غيرهم ؛ رغم المسافة التي تظهر بين مشاريعهم و عطاءاتهم و إسهاماتهم و تفاوت عمق و متانة طروحاتهم إلا أنهم يمثلون لي جميعا بُناة لمعمار فريد يشكل الفكر الإسلامي المعاصر عرف خدوشا و عرف إصلاحات كلها قامت في سبيل شحذ العقل المسلم المعاصر و يقظته. إنهم ينتصرون جميعا ، في نهاية المطاف،  للإنسان الخليفة ( الذي هو قبس من روح الله جل في علاه ) ضدا على نماذج الإنسان الحيوان و الإنسان المادي و الإنسان الآلة التي يُراد لها قسرا الانتشار في عالم اليوم.   
...تابع القراءة