| 0 التعليقات ]



إذا طًرح السؤال عن محور سمات العصر في كلمة، جاز لنا أن نصدح إنه: عصر التساؤل !
إنه عصر التساؤل عن كل شيء. كل الموروثات تخضع للنقد و الاختبار. لا تمضي فكرة دونما حساب. غدا التساؤل رمزا للتنوير و الانخراط في الزمن الحديث.
ما الدافع إلى التساؤل؟
 في الأمور التي يُعتقد  بأن النقاش قد حُسم فيها؛ كثيرا ما يكون ما يحمله الواقع الموضوعي في أحشائه من تحولات - يُهدم المقولات المسلم بها في السابق دون تمحيص لمصداقيتها على الأرض - هو النقطة التي ينطلق منها التساؤل.
من يرفض التساؤل؟
صاحب السلطة هو المرشح الأول و الأبرز للوقوف دون سيادة ثقافة التساؤل. السلطة كيفما كانت رمزية معنوية أو مادية: الحكام، المجتمع، الأُميون، الأساتذة،  الآباء، حماة التقاليد، نُظار الأفكار و سدنة الأحلام الأيديولوجية..
فصاحب السلطة يطمح لاستدامة تطويعه للإنسان. و التساؤل يقف حجر عثرة أمامه بل يُعجل بانهيار طموحاته. إذ أن المتسائل عصي على الإملاءات، لا يتبنى ما يراد له من أفكار قبل أن يعالج صدقيتها و مصداقيتها. يكفي أنه لا يقول دائما "نعم" هذا صحيح..
لماذا الإنسان يتساءل؟
العجب كل العجب من الذي لا تأخذه الدهشة و لا ينخرط في غمار السؤال في هذه الحياة. العجب من الذي يعتبر ما يجري في دنيا الناس عاديا  لا يستحق التدبر و التملي و الالتفات. العجب ممن لم يستطع أن ينفك من الألفة الغافلة و الأبعاد المادية و يرتمي في أحضان تساؤلات الإنسان.
التساؤل عنوان العبور إلى الحي القيوم. (يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه). الانشقاق:6.
التساؤل حرب على كل نزعة تتغيا اختزال إنسان في دوغما. حرب على كل نزعة وثوقية ترتاح لإنسان  يتشبث بأذيال اطمئنان كاذب زائف.
كيف السبيل لتوسل التساؤل للقيام بالتنوير؟
التساؤل، كي لا يحيد عن دوره التنويري، لا بد لصاحبه من تحري الحق بغض النظر عن الانتماءات. لا بد لصاحبه من الالتصاق بأسئلة الواقع الموضوعي و تفادي القفز على المعطيات و الحقائق. لا بد لصاحبه من توخي التقاط السنن و الكليات وراء ركام التفاصيل و الجزئيات. لا بد لصاحبه من طرح السؤال المجدي في ذاك الواقع الموضوعي أولا.  
ما المخاوف من التساؤل؟ 
التساؤل فضيلة و لا شك. غير أن تساؤل زمن ما بعد الحداثة عدمي و عبثي و استغلال فج و إفشال متعمد لقضية ناجحة: هي الحاجة إلى التساؤل.
المحاذير المحدودة التي بإمكاننا إثارتها هنا هي ذات صلة بالمخاوف من المآلات العدمية لعملية التساؤل. إذ يكتفي الإنسان بتشقيق الكلام و لا يُسهم في الحياة بأدنى عمل من الأعمال. و لو تلك الأعمال الفاضلة التي يُعنى بها قبل انخراطه في التساؤل.

التساؤل يقود صاحبه في المراحل الأولى لفقدان التوازنات النفسية المهترئة التي يرتاح بها في السابق خصوصا حين يكتشف أن مضامين الأفكار و الشعارات  التي آمن بها باتت محدودة. و تحت ضغط التحولات و الانقلابات و التساؤلات يُسلم الإنسان أخيرا أنه مخلوق ضعيف قدره  أن يؤمن بنسبية الأفكار و الرؤى و المنظورات و المشاريع: و ويل له من مغامرة التشبث الأعمى المغرور بحلم إيديولوجي؛ اللهم الحلم بالفردوس الأعلى و نيل رضوان المولى جل و علا و الحلم بالتمكين للقيم الإنسانية السامقة في الدنيا (العدل، الكرامة، الحرية، العدالة الاجتماعية..).


...تابع القراءة