| 0 التعليقات ]





لا يرتاب اثنان في كون الخوض في " كيف ؟" بصفة عامة من الأمور العسيرة. و حيث أن " كيف" هنا موضوعها " الدعوة" فالأمر يتعسر  أكثر و يعتاص و لكون المدعو هنا هو " التلميذ " فالصعوبة تزداد أكثر فأكثر ..
خاضت كتابات كثيرة في " كيف ندعو الناس ؟" بصفة عامة ، لكن شحيحة هي الأبحاث و الدراسات التي تتناول سؤال" الكيف" في أوساط التلاميذ . سؤال الكيف يبقى السؤال المؤرق لكل متحسر و متأسف على واقع التلميذ الأليم ، بدءً بالأساتذة و المربين وصولا إلى التلاميذ المهتمين بانتشال إخوانهم من  وهدة  الميوعة و التمييع ، و يرتبط هذا السؤال بموضوعات أخرى منها : من أين نبدأ ؟ ما مواضيع الدعوة الضروري ترسيخها في نفوس المدعوين  ؟ ما هي آليات الدعوة في المجتمع التلمذي؟ ما الوسيلة الأرشد : هل الدعوة الفردية أم الدعوة العامة ؟ من هم الدعاة ، هل هم أساتذة أم تلاميذ ؟
في نقاش مع مجموعة من التلاميذ في إطار  نشاط  تربوي بالثانوية حول "مشكلات الشباب" ، ألح بعض التلاميذ على نفس السؤال : " كيف نُوَعي ؟ ". و بتعبير آخر، ذكر أحد المتدخلين أن الكل يجيد تشخيص الواقع و وصف حالة التردي التي يتسم بها ، لكن ما هو البديل ؟ ما هو الحل لتجاوز هذا الواقع  ؟ ". و في مشهد آخر، كلما عزم أحد الإخوة من التلاميذ على بدء نشاطه الدعوي و الانخراط  في سلك الإصلاح في أوساط زملائه يصطدم بعدم الاستجابة أو السخرية أو  كونه صوتا نشازا .. يستسلم و يستحيل مرة أخرى تلميذا عاديا يخوض معتركه اليومي (  واجباته المنزلية و الفروض المستمرة ...) فتخسر الدعوة الإسلامية  جنديا من جنودها  . كل هذه المشاهد و غيرها دفعتني إلى التفكير في هذا السؤال : " كيف ندعو التلاميذ ؟" .
حينما بدأنا  الدعوة إلى الله تعالى في صفوف التلاميذ – أنا و مجموعة من الإخوة -  قبل حوالي ثلاث سنوات ، اتسمت تلك لمرحلة بنوع من الاندفاعية و " الغوغائية" و الفظاظة ؛ بحيث كنت أرفض الحديث نهائيا مع التلميذات و الأنكى من ذلك أنه كلما حاولت إحدى الزميلات أن تشير لي بخطأ إملائي أو معرفي كتبته  في السبورة لا ألتفت لما تقول.  و أثناء تحضيرنا لعرض حول حول " المرأة في الإسلام "  طلبنا من التلميذات في القسم المحاور التي يريدونها أن تكون مطروحة للنقاش فوجئنا بورقة مكتوب عليها :" لماذا إذا خاطبناكم تدَعوننا  كالسراب ؟! " ، كل هذا تحت مسميات الخوف من الفتنة . و أرُد  هذه السلوكات  الناشزة إلى  ضحالة الزاد الشرعي و الفكري و الاغترار بالتفوق الدراسي و عدم استيعاب المقاصد السامية للعمل الدعوي و عدم الاستنارة بالهدي النبوي ( إن الله لم يبعثني معنِّتاً ولا متعنتاً ، ولكن بعثني معلماً ميسراً  ) و عدم الاحتكاك بالواقع و مخالطة دنيا الناس .
أولا/ الدعوة بالقدوة :
إن التلميذ الداعية  لن تنجح دعوته وسط أقرانه إلا إذا كانت دعوة "بالحال" أساسا  ثم بإمكانه إن يدعمها " بالأقوال"، فمجموعة من الأمور التي يدعو إليها المدعوين ( من زملائه التلاميذ ) من الصعب أن يتقبلوها إن لم يروها رأي عينهم في أخيهم و نظيرهم الداعية ، أضف إلى ذلك أنهم سيعتبرون الالتزام بما يدعو إليه مؤجلا إلى سنوات لاحقة ( حتى تمر مرحلة المراهقة عملا بمقولة زائفة : " تْكبرْ أُو تْنْسى !" ) .
1/ الالتزام :
إن أول خطوة في الدعوة بالحال هي ما يصطلح عليه"حركيا" بالالتزام، و هو اسم جامع يشمل اتقاء لحدود الله تبارك و تعالى و نواهيه و طاعة  أوامره و الاعتصام بما جاء في كتابه، فلا بد لمن يسعى بحق لأن يكون " تلميذا داعية" أن يلتزم أولا ليدعو غيره من التلاميذ إلى الالتزام و هو المقصود الأول من الدعوة .
2/ التفوق ( أو السعي إلى التفوق ):
إن الدعوة بالقدوة تستوجب أن يكون " التلميذ الداعية" متفوقا دراسيا ( أو ساعيا إلى التفوق فليس كل الناس متساوين في مداركهم العقلية و مستوياتهم الاستيعابية ) ، طالبا مجتهدا ، عالي الهمة في تحصيل الدرجات العُلى  و حاضرا في ميادين المنافسة على الرتب الأولى . هذا التفوق الدراسي ، أولا استجابة لأمر الله تعالى الذي يحب معالي الأمور كما جاء في الحديث النبوي الشريف : [ إن الله يحب معالي الأمور و يكره سفسافها ] ، ثانيا يعطي صورة مُشرقة عن التلميذ الداعية  و عن المتدين و عن التدين بصفة عامة ، ثالثا يجعل لصاحبه مكانة مُحترمة و صوتا مسموعا في الفصل الدراسي و المؤسسة التعليمية مما يهيئ له مناخا ملائما و خصبا لترويج الرسالة الدعوية و الخطاب الدعوي .
3/ دماثة الخلق :
كما أن دماثة الخلق و المعاملة الحسنة  مع الزملاء التلاميذ بمثابة رسائل دعوية قد يفوق تأثيرها الدعوة بالكلمة و الموعظة . فضلا عن أنها مما يُتوسل به لبلوغ كمالات الإيمان و يعطي صورة حضارية مشرقة للتلاميذ المتدينين أمام الجهاز التربوي للمؤسسات التعليمية  و باقي التلاميذ.
المعاملة الحسنة مع الزملاء بمعنى لين الجانب في التعامل معهم و خفض الجناح لهم و رحابة الصدر في تقبل عثراتهم ؛ فالتلميذ مثلا الذي لا يصلي و يُزَامل التلميذ الداعية في الفصل الدراسي ، لا ينبغي له أن يعامله بفظاظة و تَكَبُر لأنه لا يصلي بل عليه أن يدعوه برفق و حكمة [ كأن يتركه على سبيل المثال ينتظر أمام مسجد المؤسسة ( لتأدية صلاة العصر ) فيحس بالخجل من تلقاء نفسه و الندم على فعلته فيعود تائبا إلى ربه ].و قس على ذلك التعامل مع التلميذة التي لا ترتدي الزي الإسلامي أو التلميذ الذي يغش في الامتحان أو الذي يتلفظ بفحش الكلام.
و من دماثة الخلق كذلك ، مساعدة التلاميذ على فهم دروسهم و مد العون لهم و تنفيس كُربهم و عيادتهم عند المرض فذلك مما يكسب به التلميذ الداعية قلوب مَدْعُويه  حتى قبل أن يتلفَظ بنصيحة أو رسالة دعوية. علاوة على بعض الأنشطة مثل تشجير المؤسسة و القيام بحملات النظافة فيها و تبني قضايا التلاميذ المظلومين .

ثانيا/ موضوعات الدعوة بالمقال في الوسط التلمذي :

هذه الموضوعات يمكن إثارتها بشكل فردي مع التلاميذ من خلال النقاش و المُصاحبة ( أي ما يسمى بالدعوة الفردية). لكن، لا بد للتلميذ الداعية أن يكون نشيطا سواء في الفصل أو المؤسسة بالمشاركة الفاعلة في النقاشات المُثارة بالدفاع عن الطرح الإسلامي و الإنساني لها ( و لن يتأتى له ذلك إلا إذا كان يقرأ و يطالع ، من هنا تكمن أهمية القراءة ) و أهمية البعد الأخلاقي فيها سواء من خلال مداخلاته أو مساهماته ( العروض، كتابات في المجلة الحائطية ). فالإسلام لا يقبل مسلما ينكفئ على خُويصة نفسه لا يخالط الناس بدعوى أنهم غير ملتزمين بل يطلب مسلما مؤثرا لا متأثرا و فاعلا لا منفعلا. و من خلال هذه المداخلات و المساهمات يمكن التأكيد على هذه الموضوعات مما يزيدها رسوخا في أذهان التلاميذ الذين سمعوا بها من قبل من التلميذ الداعية عبر الاتصال الفردي.مع التأكيد دائما على أن الدعوة الفردية هي الأصل ، و من الموضوعات التي أراها – و الله أعلم – أولى بالاهتمام :
1/ قضية الألوهية :
أول موضوع يجب أن تنصب جهود الدعوة لتوضيحه و ترسيخه في المجتمع التلمذي هو " الألوهية" . فاستقرار حقيقة " لا إله إلا الله" في النفوس : الإنسان الذي أقر بها سَلَمَ تسليما مطلقا لله تعالى بالطاعة المطلقة و أنه عبد لله تعالى لا لأحد سواهُ سواء كانت نفسُه التي تطاوعه و هواها أو شهواته أو المال أو الجاه أو أحد من الخلق. إنه بذلك الإقرار أعلن نفسه حرا من كل العبوديات إلا عبودية خالقه الرحمان جل سبحانه و تعَالْ.و بتَمَثُل الشباب لهذه الحقيقة الكبرى يتحرر من ربقة العبودية لشهوة الجنس أو المال أو المخدرات لأنه فَهِمَ فَهْمًا يقينا أنه عبد لله و ليس لأحد من هؤلاء.
2/ الدار الأخرة:
الدنيا ممر و ليست مستقر، الإنسان عابر سبيل في هذه الدنيا، الحياة الحقيقية هي الدار الأخرى التي فيها الجزاء الأوفى، الدنيا اختبار لمدى استجابة الإنسان للمنوط به : عبادة الله تعالى بمفهومها الشامل باعتباره خليفة للواحد الأحد .هذه الحقائق كلها يجب أن تكون من أولى الموضوعات التي يتصدى لها  "التلميذ الداعية " في أنشطته الدعوية سواء الفردية أو العامة.
3/ الإسلام منهج حياة :
الإسلام ليس حقيقة أُنزلت لتقبع في حنايا الضمائر و خفايا القلوب و إنما لتتحول لمنهج حياة . الدعوة في المجتمع التلمذي ينبغي لها أن تعمل على تصحيح مجموعة من المفاهيم المرتبطة بحقيقة الإسلام و الأفكار المغلوطة عنه التي تُلخصه في الشعائر فقط أو تعتبر أن الإيمان يكتفي بمكانه في القلوب  أو تقول إن العمل به ( أي الإسلام )  لا يتعدى أسوار المساجد.
4/ الشباب و مسؤولية المرحلة :
 في هذا الموضوع ينبغي ربط الشاب أولا بهويته الحضارية و استنهاض همته من أجل الذود عن بيضتها و النهوض بأعبائها و تكاليفها ، و ربطه بالجيل القرآني الفريد و الفتية الذين لا تتجاوز أعمارهم 13 و 14 سنة و يتسابقون إلى الرسول صلى الله عيه و سلم لعله يقبل مشاركتهم في الغزوات ( أسامة بن زيد نموذجا) . و من ثَم يعرف أنه امتداد لهذا الجيل القرآني و أنه حفيد أولئك الفتية التي آمنت بربها و اهتدت  و أن مرحلة الشباب ليست كما يزعمون مرحلة مراهقة و جنس و موسيقى صاخبة ، بل مرحلة تحمل مسؤولية البلاغ المبين على هدي النبي الأمين إلى الناس أجمعين  بالعودة إلى هذا الدين للنجاة من السعير و بلوغ مقامات عليين عند رب العالمين.
5/ هموم الأمة الإسلامية :
لا بد للدعوة في المجتمع التلمذي أن تحسس التلميذ المسلم بأنه عضو حي من أعضاء الأمة الإسلامية : يجب عليه أن يهتم بأمرها و أمر إخوانه المسلمين في كل مكان ، و من ذلك أن يُحصن نفسه أولا ضد الغزو الفكري و التطبيع الثقافي ( المتجلي في : اللباس ، الذوق ..) مع أعدائها و خصوصا - حاليا - العدو الصهيوني كي لا يوفر خدمة مجانية لهم ثم يجتهد في دراسته و يكد لينفع أمته بإبداع جديد و تطوير ما هو قديم من كل عُدة يعتد بها في عصرنا هذا .
6/ المستقبل لهذا الدين :
نظرا لانتشار ثقافة الانهزام و الاستسلام و وقائع تزيد من التيئيس من إمكانية النهوض من جديد لهذه الأمة بعد نوم عميق مازالت تغط فيه – و لعل الربيع الديمقراطي دليل على أنها بدأت تفرك عينيها من آثاره  -  و كون فئة التلاميذ بالخصوص إذا بدأت حياتها على أفكار اليأس و القنوط سترسُم صورة قاتمة لمستقبل الأمة . لكل هذا، وجب الاهتمام بموضوع " المستقبل لهذا الدين" لكن ليس بطرح تواكلي بل بطَرْح يُلفت النظر إلى دور السنن الكونية و الشرعية في هذا الأمر . مصداقا لقوله تعالى : " و إن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ". و يبرز أهمية مجموعة من المفاهيم في البناء لهذا المستقبل كالفعالية و الريادة و الإيجابية .
...تابع القراءة

| 0 التعليقات ]

بعد صدور العدد الأول بيوليوز 2012 و العدد الثاني بأبريل 2013، و بعد جهد جهيد و انتظار طويل، أصدر نادي الشباب بجمعية الآفاق الثقافية بتيزنيت العدد الثالث من مجلة الصحوة التلمذية. و يضم هذا العدد مجموعة من المقالات التي تعالج أسئلة الإصلاح و النجاح و الريادة في الساحة التلمذية ( نصائح للنجاح، شخصية التلميذ المعاصر، عن القيادة و سمات الريادة فيها ...) كما تتناول عدة مواضيع تهدف  إلى تنمية الوعي بالانتماء و القضية.
و قد تميز العدد الأخير من " الصحوة" باستضافة إطار تربوي مخضرم هو الدكتور أحمد السيحي مدير المركب التربوي "القلم" بأكادير.
و مما ما جاء في افتتاحية العدد: " إن المواد التي تقدمها المجلة – على تواضعها – لا تتناول تفاصيل الأخلاق و لا جزئيات الأمور التي ترتبط بالصحوة التي نطمح إليها و لا تسرد المعارف العلمية التي يُفترض أن نضطلع بها بعد مرحلة الصحوة، نقصد عصر النهضة. و إنما تضع الأصبع على مكامن الخلل و آفات الطريق المعيقة للصحوة و النهوض، علاوة على فتحها لآفاق التلميذ المغربي نحو الالتحام بقضايا الأمة و همومها؛ إذ يمثل الانشغال بالقضية و معانقة أسئلة المصير خطوة أولى على الطريق."
جدير بالذكر، أن أسرة تحرير المجلة تتوزع على ثانويات و إعداديات مدينة تيزنيت .

بريد المجلة : mag.sahwa@gmail.com
...تابع القراءة