| 0 التعليقات ]


تعالت في السنوات الأخيرة بمغربنا الحبيب دعوات من طرف أشخاص، تختلف تخصصاتهم و ميادين عملهم لكنها تشترك في البون الشاسع بينها و بين ما يخوض فيه أصحابها. أقل ما يمكن أن نصف به هذه الدعوات، التي حظيت بسند إعلامي يبعث الارتياب في نفس كل متابع للشأن العام، هو أنها نوع من ممارسة الوصاية على التلميذ المغربي؛ وصاية في مضامين ما يدرس و وصاية حتى في هدفه من الدراسة.
أحد هؤلاء هو الأستاذ أحمد عصيد، الذي دعا  في ندوة في أبريل الماضي ( 2013 ) إلى حذف ما يعتبره تناقضا في المنظومة التربوية بين ما يسميه القيم الكونية و النصوص التي تثوي رسائل إرهابية ( مُمثلا لهذا التناقض برسالة الحبيب المصطفى صلى الله عليه و سلم  إلى هرقل : " أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين " في كتاب الجذوع المشتركة الخاص بالتربية الإسلامية ).  نحن هنا، لا تهمنا الخلفية العقدية و الفكرية لعصيد ( فهو حر أن يعتقد ما يشاء شرط أن لا يؤذي و يستفز الشعور العام و حر كذلك في قراءة أي نص حسب هواه شرط أن لا يُلزم الآخرين بتأويلاته ) و لا يهمنا كذلك الإشكال اللغوي الذي وقع فيه ؛ بقدر ما لا نقبل ، بأي حال من الأحوال، الوصاية التي سعى ( و يسعى إليها دائما من خلال كتاباته ) لفرضها على التلميذ المغربي ، على هويته على  مرجعيته و على مستقبله. نحن هنا – كأعضاء في المجتمع التلمذي – نرفع التحدي في وجه عصيد ليستفتي الجماهير في الساحة التلمذية ( رغم كل السوء الذي فيها  و رغم كل الوصايات التي مارسها أسلاف عصيد و أمثاله من قبل على المنظومة التربوية ): هل أحسوا – أو يحسون -  بتناقض ما أثناء دراستهم لنص ( كالرسالة النبوية التي تحدث عنها) في مادة التربية الإسلامية أو مادة أخرى مَس بالقيم " الكونية" المتغنى بها ؟ أم أنهم يحسون دائما بأنهم مُمزقي الشعور، هُلاميي الهوية، ضائعي المستقبل لأنه لا يتم ربطهم بوطنهم و أمتهم بقدر ما يتم  ربطهم ب"الآخر" الذي استعمرهم و لأنه يتعذر عليهم العمل إن لم يُلموا بلغة الآخر و لأنهم يقضون اثتني عشرة سنة من الدراسة دون أن يكون لهم أدنى ارتباط بدينهم  بسبب تقزيم ساعات مادة التربية الإسلامية ( ساعة في الأسبوع للشعب العلمية و التقنية  في الباكالوريا  ) و تفريغها من محتواها  ( دراسة الحوار و التواصل و البيئة... – و إن كانت أمور مطلوبة لكنها تُدرس في مواد أخرى: العربية، الاجتماعيات، بعض المواد العلمية – قبل تثبيت أركان العقيدة و مكارم الأخلاق في النفوس) ؟ 
ثاني هؤلاء، هو دَعيُ حب الدارجة المغربية نور الدين عيوش، الذي فاجأ التلاميذ المغاربة بدعواه، الغير المفهومة، المرتبطة بتدريس الدارجة و التدريس بالدارجة. عيوش  رجل الإشهار،  الذي  لا علاقة له بالمجتمع التلمذي و التعليم من قريب أو بعيد، هو الآخر يأتي ليمارس على التلميذ المغربي وصاية من نوع جديد. ربما عيوش توهم أن مشكلته مع اللغة العربية و مع  اللسان العربي  ينسحب على كل التلاميذ المغاربة، و لهذا فسبب مغادرة المقاعد الدراسية هو مشكل اللغة العربية !  صحيح، أن التلاميذ المغاربة قد يعانون من بعض المشاكل في التمكن من ناصية اللغة العربية. لكن أن يكون سبب الانقطاع عن الدراسة هو اللغة العربية فهذا من ضرب أضغاث الأحلام. و الأصح كذلك، أن اللغة العربية تتعرض لتهميش واضح  في التعليم في المغرب حيث أن التلاميذ يبرمجون منذ صغرهم ضدها : العربية  ليست لغة " المهنة في المستقبل" ، ليست لغة الدراسة بعد الباكالوريا ،  ليس من ورائها عائد  للتلميذ ... و بالتالي من الطبيعي أن تكون النتيجة الحتمية لهذه البرمجة السلبية ضد اللغة العربية منذ نعومة أظافر التلميذ هي  توليد نفور تجاهها و من ثمََ ضعف بها ( النفور يُوَلد عدم الاهتمام و عدم الاهتمام يُوَلد الضعف ).
بكلمة، أمام تعالي أصوات، من هنا و هناك،  بعيدة عن المجتمع التلمذي  و أسرة التعليم، تحاول فرض رؤيتها الإيديولوجية المستلبة على التلميذ المغربي . لا يسعنا  إلا أن ننادي بأن الحل هو حراك تلمذي تتعدد تمظهراته من رواج للمجلات و الكتب إلى  فتح نقاشات جادة في باحات المؤسسات تكون من التلميذ إلى التلميذ و يُناقش فيها مصير التلميذ.
...تابع القراءة