| 1 التعليقات ]










منذ سنوات، سألتُ "جون دومرسون"، وهو في قمة الشيخوخة، عن أهم درس استخلصه طيلة رحلته الطويلة. أجاب بدون تردد: أعتقد أن أهم درس هو الوعي بقول "لا".
وأنا أستمع إليه، تبينتُ أهمية هذه الكلمة الغنية الصادرة عن فرد أحيط بعناية فائقة في طفولته.

بدون شك الرجل كان يجيبني وهو يتذكر العديد من الناشرين الذين رفض أن يمدهم بكتاب تحت الطلب، والعديد من رؤساء تحرير الجرائد الذين رفض أن يستجيب لطلبهم بكتابة مقال مأجور، والعديد من الجامعات التي رفض أن يلقي فيها محاضرة مغرضة، والعديد من المعجبين الذين رفض دعواتهم إلى وجبات الفطور أو الغداء.

كان الرجل محترما وواعيا بمكانته ووضعه الاجتماعي، يشكر خالقه على كونه "جون دومرسون" وليس مزارعا في أعماق بنغلاديش يصعب عليه قول "لا".

في عالم اليوم، كل فرد يكون أحيانا في وضعية لا يستطيع فيها رفض أمر أو وظيفة. لأن ثمة قانونا يفرض ذلك. أو حينما لا يكون في وضعية اجتماعية مادية تسمح بقول لا. ولأن قول "لا" أمام عرض ما يعني: انغلاق أبواب المستقبل، رفض هبة، بدون امتلاك أمل استرداد نفس الشيء في المستقبل. كما يعني ذلك: خلق أعداء، أو مغامرة فقدان زبناء، أو شريك، أو وظيفة.

إن تعلم قول "لا" يعني: امتلاك شجاعة اختيار ما نريد، يعني عدم الارتهان لرهانات الآخرين. مهما كانت هذه الرهانات: غذاء، ملتقى، علاقة عاطفية، وظيفة، مشتريات، أوامر. وفق هذا المنظور، قول "لا" يجسد بطولة يومية، والمظهر الأول للحرية.

تعلم قول "لا" هو أيضا بناء خلفية أخلاقية تُمكن من الاختيار. هو التقدم في الوعي بالذات.

القدرة على قول "لا" تتجلى أيضا في عدم التماطل؛ في تجنب قول "ربما"، أو "إلى وقت لاحق!"، أو "سنرى!"، أو "لمَ لا؟"... إلخ. كما يتمثل في عدم الكذب وخاصة الكذب على الذات. القدرة على القول "لا"  هو استبعاد الخوف، هو القدرة على تحمل المشقة، هو استبعاد الشكوك التي تشوش على الأهداف، هو الاستعداد التام لكلا الخيارين القبول أو الرفض، هو عدم السماح بسماع "ربما" التي تفتح الباب لسوء الفهم ولجميع الفظائع التي يبقيها الغموض. 
 
القدرة على قول "لا" تستبطن أيضا القدرة على قول "نعم". هي أن أكون أنا. هي القدرة على الرفض دون غضب أو إذلال من يقترح عليَ ما لا أرغب فيه. هي القدرة على إيجاد صيغة لاحتواء واستيعاب من يرفض "لا" ويرتكن فقط للغة "نعم".

في هذه الحالة، قول "لا" يمكن أن يكون مناسبة لخلق علاقة حقيقية مع الآخر مبنية على الاحترام المتبادل. وهذا ما تجسد في نموذج "جون دومرسون"، فأفضل طريقة للإجابة على هدية "نعم" هي قول "لا" ولكن بأدب واستيعاب.

* ترجمة شخصية للمقال الأخير للمفكر الفرنسي جاك اطالي savoir dire non المنشور في موقعه الالكتروني. كتب المقال على إثر وفاة الفيسلوف الفرنسي الشهير "جون دومرسون" d'Omersson يوم الثلاثاء المنصرم 05 دجنبر 2017. عُرف الفيلسوف بجرأته وتحرره من كل الأنساق، وتجلى ذلك في العديد من مواقفه الأخيرة ولعل آخرها دعوته إلى ضم مسلم إلى الأكاديمية الفرنسية.

1 التعليقات

إبراهيم بوسلام يقول... @ 12 ديسمبر 2017 في 8:20 ص

تحياتي أخي أيوب العزيز

إرسال تعليق