| 0 التعليقات ]






العمل التطوعي هو عمل يقوم به الفرد أو مجموعة أفراد لصالح البقية بدون مقابل. هو عمل يتخذ عدة ألوان منها؛ اللون الاجتماعي حينما يعمل الفرد (بمعية المجموعة التي تشتغل معه على نفس الأهداف) على اقتطاع جزء من راتبه وجمع أقساط أخرى من رواتب المتبرعين وتنظيم عملية توزيع هذه الأموال سواء في شكلها العيني أو بعد بتوظيفها في شراء بعض حاجيات الفئات المستهدفة (الفقراء، الأرامل، اليتامى، الطلاب...إلخ).

وقد يتخذ العمل التطوعي لونا ثقافيا؛ حيث يقتطع الفرد من ماله ووقته لينشر أفكارا ومعارف في أوساط الناس، سواء كانت الأفكار إنتاجا أصيلا أو كانت إنتاجا للغير، عبر مختلف قنوات النشر (المحاضرات، المقالات، الكتب، المجلات، صفحات أو مدونات الكترونية... إلخ).

وقد يرتسم العمل التطوعي في قالب حقوقي؛ حيث يقتطع الفرد (بمعية المجموعة التي يشتغل في إطارها)  جزءا من ماله ووقته وجهده لملاحقة القضايا الحقوقية ورصد ملفاتها وكشف تفاصيلها وفضح المتورطين فيها والنضال من أجل عدالة مسار متابعة الضحايا.

وقد يتلون العمل التطوعي بلون بيئي؛ حيث يجتهد الفرد من داخل إطاره الجمعوي في إثارة قضايا البيئة العالمية والوطنية والمحلية (من ثقب الأوزون، إلى نظافة الحي)، ويضحي بوقته وصحته وماله من أجل ذلك داعما ومحرضا ومناضلا ومنددا.

وقد يكون العمل التطوعي جامعا بين كل هذه الألوان في حركة اجتماعية أو في عمل طلابي جاد.

باختصار؛ يعد العمل التطوعي، بالمقاييس المادية الملموسة،  بمثابة خسارة فادحة للفرد على كل المستويات من حيث هو: تبديد للمال، تضييع للوقت، هدر للطاقة وإهلاك للصحة. ولكن ما دلالة العمل التطوعي؟ ولماذا يُحارب؟

العمل التطوعي يرمز إلى انتصار "العمل" على "رأس المال". إنه بذلك يدل على أن الناس يمكن أن ينتجوا وأن يتحركوا بدون "رأس المال". ما يعني انهيار منظومة كاملة تسجن الفرد/المجتمع في معتقل لا يملك منه الفكاك إلا ب"القروض" (أي بالدخول إلى سجون أخرى).

وللأسف فالمال مهما كان نوعه ذهبا أو فضة، كان وسيلة لاختزان العمل حتى يعود لصاحبه في حاجات أخرى أو في أيام صعبة، وهو بذلك يمثل فائض العمل عن حاجات البيت. وبقدر ما تراكمت وتجمعت الأموال، في منشآت المصارف تحول أولا طابعها الاجتماعي، وأصبحت تمثل شيئا جديدا هو (رأس مال)، ثم تحولت طبيعة الصلة بين المال والعمل، فبعد أن كان مجرد خزان للعمل أصبح سجانا له، السجان الذي لا يعترف لسجينه بحق سوى العمل في مصلحته.

واليوم بعد أن تنوسي دور المال بوصفه مجرد خزينة يودع فيها فائض العمل، لتعيده لصاحبه عند الحاجة، أصبحت أذهاننا لا تستطيع أن تفكر في مشروع اقتصادي، دون أن تقعده على شروط مالية، كأن العمل أصبح فعلا سجينا لا يتحرك إلا بإذن صاحب السجن أي الرأسمال. *

لهذا، فنجاح العمل التطوعي بمعانيه العميقة أي تضحية الفرد بعمله أي بوقته وصحته وجهده في سبيل إنتاج قيمة اجتماعية مضافة هو بمثابة إعلان حرب ناعمة على بنية النظام الاقتصادي العالمي الجائر. ولهذا من الطبيعي جدا أن يحارب أو على الأقل أن يُميَع.

قد يقول قائل: في الغرب نفسه نجد منظمات تطوعية كبيرة تشتغل في عدة قضايا، فلماذا مازالت مستمرة ومتألقة وهي تعيش تحت رحمة نظام من المفترض أنه متناقض مع بنيتها؟

إن نظرة بسيطة إلى دينامية المجتمع الغربي في العقود الثلاثة الأخيرة، خاصة بعد انهيار الكتلة الشرقية، تكشف أن حصارا كبيرا تم فرضه على الحركات الاجتماعية (ذات الهوي اليساري) التي لا تساير النغمة السائدة، وبالمقابل تم تشجيع العمل التطوعي الخيري (=الاجتماعي) ورعايته من طرف مؤسسات مختلفة (منها الكنائس) بل ودفعه لإطلاق مشاريع "إحسانية" في بوادي دول العالم الثالث. كل هذا أفقد العمل التطوعي السائد في الغرب، بصيغته الحالية، بريقه التحرري ونزعته المقاومة لأنه تميع وصار يشتغل تحت رحمة "راس المال".
 


(1) مالك بن نبي، المسلم في عالم الاقتصاد، دار الفكر، الطبعة الثالثة، 1987، ص:69 .
.

0 التعليقات

إرسال تعليق