| 0 التعليقات ]





اندلعت احتجاجات اجتماعية بأفق سياسي في إيران منذ يوم الخميس المنصرم. لم يفوت الرئيس الأمريكي ــ دونالد ترامب ــ الفرصة ليعبر عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن إيمانه  بالحقيقة الأكيدة "لا مستقبل للأنظمة الطاغية".

في يوليوز المنصرم، كتب رئيس جامعة "أكسفورد" البريطانية (كريس باتن) مقالا تحت عنوان "الغرب وسياسته الخارجية الفاسدة" يبكي فيه على "تسامح" الدول الغربية مع الصين وتركيا رغم أنهما دولتين تنتهكان حقوق الإنسان وتضطهدان المعارضين.

يحتضن الغرب كيانا يغتصب الشجر والحجر والإنسان والعمران، ولا يعترف أصلا بحكاية حقوق الإنسان، ويعرف لغة واحدة هي رمي "المعارضين" (=الخطوط التحررية المقاومة والمتعاطفين معها في كل أنحاء العالم) بتهمة "الإرهاب" قبل تعريضهم لألوان مختلفة من التعذيب والاضطهاد الوحشي.

ينخرط الغرب في حروب يومية في مختلف بقاع العالم، ينتهك فيها حرمة المدنيين ويُجهز فيها على المستضعفين. ويحتفظ لنفسه بسجون سرية (غوانتانامو، أبو غريب... إلخ) يقدم فيها لضحاياه صورا قريبة من أهوال الجحيم.

طبعا، إنه الغرب!

تركيا، وإيران، والصين، وغيرها من الدول القوية وذات التجارب التنموية المستقلة (والتي مازالت تعرف مدا وجزرا في تجاربها الديمقراطية) هي في مرمى أصحاب دروس "حقوق الإنسان" و"لا مستقبل للطغيان" و"حبل الاستبداد قصير" (دونالد ترامب، وكريس باتن... إلخ).

أما العدو الصهيوني والدول التابعة له والفاشلة على كل الأصعدة (السعودية، الإمارات، مصر... إلخ) فمستقبلها بوصفها أنظمة تجسد الطغيان؛ صار مرتبطا بمعادلة أخرى. ولهذا لم تعد المعادلة الأولى (الاستبداد والطغيان = النهاية والسقوط) صحيحة كما هو الحال في حالة الصين وتركيا وإيران... وغيرها من الدول المستقلة التي تتلمس بثبات طريقها إلى كسب رهانات "التنمية" و"الديمقراطية".

للأسف! فاللجوء إلى تغيير المعادلة وفق المقاس ليس مرضا غربيا فحسب بل هو داء مُعدي يكاد يخترق جميع الأنظمة!

بثت القناة الثانية المغربية في النشرة الإخبارية في وقت الذروة ليوم الأحد 31 دجنبر أنباء عن احتجاجات في إيران. نسيت قناتنا احتجاجات الحسيمة قبل شهور وغفلت عن حراك زاكورة ولم تسمع ربما عن وقائع جرادة الأليمة! قناتنا تذكرت فقط إيران!

قناة الجزيرة حينما كانت تبعث مراسليها في مختلف أرجاء العالم، التقطت إشارات عن جميع الاحتجاجات الاجتماعية والسياسية السلمية في جميع البلدان، ولكن للأسف الشديد لم تتمكن أجهزة الرصد الخاصة بها من الوصول إلى حراك الشمال المغربي لأن حاضنتها قطر كانت تتلقى مساعدات "رمزية" من المغرب في عز الحصار!   

للأسف! هذا الداء ليس لصيقا بمختلف الأنظمة السياسية في العالم فحسب، بل هو داء مُتَمَكن من العديد من الهيئات السياسية والنقابية والثقافية!

أثناء المفاوضات حول مكونات الائتلاف الحكومي بعد انتخابات 25 نونبر 2011، استضافت التلفزة المغربية فتح الله ولعلو للحديث عن مبررات رفض "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" الانضمام إلى التحالف، فقال: أولا الاتحاد حريص على وضوح التحالفات وانسجامها الإيديولوجي والسياسي (رغم أن الرجل نفسه كتب في كتابه "نحن والصين" الصادر عام 2017، مشيدا بالإصلاح الصيني الذي قام بتجاوز مخلفات العهد الإيديولوجي الذي قاده "ماوتسي تونغ" والذي انطلق مع "دينغ شياو بينغ" في ثمانينيات القرن الماضي القائم على أولوية الاقتصاد على الإيديولوجيا والسياسة)، ثانيا الاتحاد مدرسة في المعارضة  وبالتالي فهو حريص على إعادة الوهج لهذا الموقع تنزيلا لما جاء في دستور 2011.

عشنا حتى فوجئنا بالاتحاد الاشتراكي نفسه يشكل "حجر عثرة" غير مسبوق في تاريخ مفاوضات تشكيل الحكومات. ليس لأنه يصر على أن يبقى "مدرسة في المعارضة"! ولكن لأنه يصر على أن يكون عضوا في "الأغلبية" رغم أنف قائدها!

في أحد الحوارات المنشورة على موقعه الالكتروني، لا يجد إدريس لشكر حرجا في الإشادة بعبد الرحمان اليوسفي ومحمد اليازغي لأنهما تحملا مسؤوليتهما بشجاعة فاستقالا من مهام الكتابة الاولى للحزب بعد أن فشلا في تدبير مخرجات نتائج الانتخابات (اليوسفي في 2003) و(اليازغي في 2007). للأسف لا نجد لهذه الإشادة صدى في السلوك السياسي لإدريس؛ فهو لم يفشل في تدبير مخرجات الانتخابات فحسب، بل فشل في تقديم عرض سياسي جيد يجسد هوية الاتحاد السياسية مما أدى به إلى فقدان الفريق البرلماني أيضا! فماذا ينتظر السيد إدريس ليستقيل أسوة بالكبار اليوسفي وأستاذه اليازغي!

 إن الناظر إلى الداء الذي صار يخترق الجميع "داء ازدواجية/تثليث/ تربيع.. تعديد المعايير" لا يملك إلا أن ينحاز إلى خيار المقاومة (=مقاومة أمراض الازدواجية والتناقضات الصارخة)، وأن يرفض خيانة القيم التي اختار عن طواعية الاحتكام إليها في كل خطوة.
  

0 التعليقات

إرسال تعليق