| 1 التعليقات ]





من الأجوبة الرائجة التي تقدم كمقتربات لعلاج أدواء المرحلة الدقيقة التي يعيشها الحزب: التمسك ب"المنهج" والاعتصام ب"المؤسسات" (التي تقدم على أساس أنها "تصيب وإن أخطأت"!) والحرص على خط "التدرج" و"الشراكة" و"التوافق" و"الترجيح بين المفاسد والمصالح" و"جعل مصلحة الوطن فوق مصلحة الحزب".
طبعا، كل هذه الأدوية جيدة وصحية ومفيدة، إذا فكرنا فيها بشكل مجرد وبمعزل عن الواقع والسياق والغرض، ولكن: هل بإمكان هذه الأدوية علاج الأدواء المزمنة التي تفتك بجسم اجتماعي عليل؟ وهل بإمكانها إيقاف النزيف وجعل المنحنى الانحداري مستقرا؟
مادامت هذه الأجوبة مناسبة وهذه الأدوية صحية، فالمشكل يكمن في مكان آخر: في عدم الإدراك الجيد للسؤال المطروح، وفي عدم التشخيص الدقيق للأدواء التي تخترق الجسم.  
مشكلة هذه الأجوبة أنها تنطلق من فرضية خاطئة مفادها أن الحزب له مشروع قائم يسير إلى الأمام بخطى ثابتة، وما يعرقل نجاحه هو مناضليه المندفعين الذين لم يتشربوا منهج "التدرج" و"الترجيح"، أو بعض رموزه المشوشين الذين تمردوا على المؤسسات وأداروا الظهر لخط "الشراكة" و"التوافق".
والواقع أن أزمة الحزب ذات صلة بأمر آخر جعل منحنى بنيته يقترب من مرحلة الانحدار.
من يستقرئ تاريخنا القريب أو البعيد (منذ فترة ما بعد النبوة) سيلحظ أن ثمة سُنة موضوعية سارية على التشكيلات الاجتماعية والكيانات السياسية التي تعتمل في مسرحه. إنها استيفاء الفكرة "المثالية" المحركة لتضحيات الأفراد لدورها ولوظيفتها التاريخية في سرعة قياسية، وحلول محركات أخرى محلها تقوم بمهمة دفع عجلة التاريخ.
والمحركات الجديدة لا علاقة لها بمبرر وجود الجسم الاجتماعي، بل هي تتناقض –أحيانا- مع ما يطلق عليه بشكل مجرد "المشروع" الجامع أو "الفكرة" المؤطرة، أو بشكل مُشَخص "الاستقلال" أو "ألاشتراكية" أو "الديمقراطية" أو "الدعوة" أو "الإصلاح"... إلخ.
إن مرحلة "إشراقة" الفكرة وانسحاب أشعتها على سلوك "الصحابة" دامت أقل من 30 سنة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، لتترك مكانها لمحركات أخرى تجذب السلوك الفردي وتؤطر الاجتماع البشري، تَقَلص فيها تدريجيا الموضوع الذي شكل مبرر وجود الاجتماع الأول (وهو التفاني من أجل توطيد رسالة مثالية تستهدف خلخلة النظام الاجتماعي بلطف من خلال منظومة قيم مفارقة لأفق المرحلة التاريخية ولطاقة المجال الجغرافي). وسرعان ما انتهى مفعول "العقيدة" التي كانت تطل برأسها على السلوك ليترك مكانه لمفعول "الغنيمة" ومفاعيل شبيهة.
في مرحلة صعود المنحنى يكون منطق "العقيدة" متوثبا، وفي مرحلة استقرار المنحنى يكون المنطقين في صراع، وفي مرحلة انحدار المنحنى يكون منطق "الغريزة" (سواء كانت "غنيمة" مادية، أو شهوة سلطة، أو تقدير محيط اجتماعي، أو توازن نفسي... إلخ).
بمقاييس الموضوع (=الرسالة والمشروع)؛ في مرحلة صعود المنحنى تنتصر "الفكرة" المثالية وتكتسح مساحات غير مسبوقة، وينعكس انتصار الفكرة على حَمَلتها (الذات) وقد يتمتعون بتقدير اجتماعي أو نفوذ معنوي أو جاه أو امتياز.
الثمار المجنية في مرحلة صعود المنحنى تدفع باتجاه مضاعفة الجهد المبذول من أجل انتصار الإطار الحامل للفكرة بدعوى حماية الفكرة، فتبدأ الفكرة في الاختفاء تدريجيا وتظهر علامات الانقلاب، ولكن رواسب المرحلة الأولى تظل عالقة ولهذا يستمر الصراع بين منطق "العقيدة" ومنطق "الغريزة" في الاحتدام.    
بمقاييس الذات الحاملة للموضوع، تعد مرحلة استقرار المنحنى أهم مرحلة حيث تنتصر الذات وتنتشي ب"الفتوحات" في الوقت الذي يتنامى فيه الانقلاب.
أما المرحلة الأخيرة، حيث انحدار المنحنى، فهي حاضنة لهزيمة نكراء للذات الحاملة وللموضوع المحمول وانتصار كبير ل"المسخ" الوليد حيث تصبح رهانات الذات الغريزية مشروعا جديدا. ولفهم المُراد، يمكن استحضار اتحاد ادريس لشكر (في زمن المنحنى الانحداري للاتحاد الاشتراكي) وانتصاراته "الضخمة" بحيازة رئاسة مجلس النواب واختطاف قطاعات وزارية والاستفراد بالعضوية في المجالس الدستورية المعينة.
نحن في الحقيقة أمام تناقض موضوعي: فالبنية البشرية المؤسسة في مرحلة انطلاق المنحنى من 0 تلعب دورا مشهودا في إشعاع الجسم الاجتماعي الحامل ل"الفكرة" في فترات صعبة تكون فيها الذات (المناضل) أصغر من الموضوع (الفكرة)، وفي نفس الوقت تلعب –في مرحلة لاحقة- أدوارا غير صغيرة في التعجيل بحمل "الفكرة" إلى المقبرة حين يكون الموضوع (الفكرة) أصغر من الذات (القيادي والرمز).  
نزداد فهما لهذه المشكلة حين نستحضر أن الحركة الاجتماعية تنطلق مع بنية بشرية واجتماعية محددة تختلط "ذاتها" مع "الموضوع" الذي انطلقت وتحركت من أجله، فهي قد تكون مضحية فعلا حين تدفعها الرياح التاريخية من أجل حمل "المشروع" الموعود، ولكن بمجرد أن تستوفي "الفكرة" المحركة دورتها التنشيطية والتحفيزية، تصبح تلك البنية البشرية المغلقة عالة على "الفكرة" وعلى "المشروع".  
فمن جهة، هي بنية بشرية اختارتها الرياح والصدف التاريخية –بعناية أو بغير عناية- لتحمل شرعية "التأسيس" و"البناء" و"التنظيم" بتغليبها ل"الموضوع" على "الذات" في مرحلة معينة مبكرة، مما يُصَعب مهمة إفهامها بأن وظيفتها التاريخية انتهت. ومن جهة أخرى، هي بنية بشرية تدشن مسار تفعيل محركات وحوافز جديدة للحفاظ على إشعاع كيانها الاجتماعي، وبهذا تحفر –بوعي أو بدون وعي- مقبرة "المشروع" و"الفكرة" ليتم استبدال ذلك برهانات أخرى -تحددها الرياح التاريخية الجديدة- حيث يكون "الموضوع" هو الذات".
في ظل هذا الإطار، حتى من يلتحق بالبنية البشرية الأولى لا بد له –إن أراد الاستمرار بعيدا في دائرتها-  من أن ينسلك في سلك منطقها ولا بد له من أن يفهم –عاجلا أم آجلا- أن الذات أهم من الموضوع، فأفق الذات هو المحرك اليومي الخاص بينما أفق الموضوع  يدور فقط في الكلمات والخطابات واللقاءات العامة.
يمكن الانطلاق من مثال آخر للفهم، منظمة التحرير الفلسطينية انطلقت وهي حاملة لهَم التحرر الوطني ولفكرة الانعتاق من الاحتلال الصهيوني كان المناضل يفنى في الفكرة وكان مهددا في كل لحظة في حياته، وسرعان ما تألق منحناها فألهبت حماس المجاهدين. للأسف، دخلت منذ أزيد من ثلاثة عقود في مرحلة المنحنى الانحداري،  فصارت ذات المناضل (الذي صار قياديا أو رمزا أو رئيسا أو كبير المفاوضين او وزيرا... أو غير ذلك من الألقاب) ورهاناته المحدودة (من فُتات الدعم وامتيازات السلطة الإسمية وابتسامات ومكالمات زعماء العالم) أهم من الموضوع (القضية والفكرة) الذي أوصله  إلى ذلك المقام. فصار الموضوع الجديد -المُصاغ على مقاس الذات- هو الحل الوهمي للدولتين الكفيل باستدامة امتيازات الذات من سلطة وجاه وامتيازات.
قبل الختم، مع الأسف، تبدو الأجوبة التي تتردد بخصوص أزمة الحزب شاردة. فالسؤال لم يعد مرتبطا -في مرحلة الاتجاه نحو انحدار المنحنى- بالوسائل (=بمعنى طبيعة القواعد التنظيمية التي ينبغي العمل بها للوصول إلى هدف ما ولتجنب الفوضى وتحقيق الجدوى)، بل هو مرتبط بالمقاصد وبالموضوع وبالمشروع وبالفكرة وبالأفق وبالقيمة وبالروح وبالمعنى. بل الأكثر من ذلك، الحديث عن الوسائل التنظيمية الكفيلة بتأطير الاختلاف في التقديرات (والتي تصلح بالدرجة الأولى لمرحلة تصاعد خط المنحنى ومرحلة استقراره) من منهج ومؤسسات وقواعد، كثيرا ما يُستدعى في اللحظات التي يتم فيها الاحتجاج على غياب "الموضوع" أو على تغييب "المشروع" أو على إغفال الفكرة أو على مقايضة الروح بالغانية (كما فعل "فاوست" في مسرحية غوته).



1 التعليقات

Blogger يقول... @ 22 فبراير 2020 في 7:43 ص

In this manner my pal Wesley Virgin's story starts with this shocking and controversial VIDEO.

As a matter of fact, Wesley was in the military-and soon after leaving-he found hidden, "MIND CONTROL" tactics that the CIA and others used to get whatever they want.

As it turns out, these are the EXACT same secrets many celebrities (notably those who "became famous out of nowhere") and the greatest business people used to become rich and famous.

You probably know that you utilize only 10% of your brain.

Really, that's because the majority of your BRAINPOWER is UNCONSCIOUS.

Perhaps this conversation has even occurred IN YOUR very own head... as it did in my good friend Wesley Virgin's head about 7 years ago, while driving an unlicensed, trash bucket of a car with a suspended driver's license and with $3.20 in his pocket.

"I'm so frustrated with living paycheck to paycheck! Why can't I turn myself successful?"

You've taken part in those types of thoughts, ain't it so?

Your very own success story is going to be written. All you have to do is in YOURSELF.

Watch Wesley Virgin's Video Now!

إرسال تعليق