| 0 التعليقات ]



يعد كتاب "حتى يغيروا ما بأنفسهم" أحد أشهر كتب الأستاذ جودت سعيد. نُشر عام 1972 ضمن سلسلة "أبحاث في تغيير النفس والمجتمع"، بتقديم الأستاذ مالك بن نبي. يقع الكتاب، في طبعة عام 1993 الخاصة بالمغرب والموزعة من طرف المكتبة السلفية، في 223 صفحة.
يعالج الكتاب قضية مركزية تتصل بضرورة الإيمان بالسنن التي تحكم الاجتماع البشري في صعوده وأفوله. وحسب الكاتب فهي قضية حاسمة في طريق النهوض والخروج من العتمة والتخلف.
حرص الكاتب في فصول عديدة من الكتاب على مخاطبة وجدان المسلم المعاصر بالخطاب الذي ينصت إليه. هكذا نجده في فقرات كثيرة معنيا باستدعاء شواهد كثيرة من القرآن والسنة لتأصيل قضية "السنن الاجتماعية" التي تحابي أمة دون أخرى، من قبيل قول الله تعالى: "لكل أمة أجل إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون". سورة يونس:49.
يتوزع الكتاب، بالإضافة إلى المدخل، على 17 فصلا: سنة عامة للبشر؛ سنة مجتمع لا سنة فرد؛ سنة دنيوية لا أخروية؛ في الآية تغييران؛ مجال كل من التغييرين؛ الجانب المهم هو التغيير الذي يقوم به القوم؛ ما بالقوم نتيجة لما بالنفس؛ لتحقيق التغيير لا بد من تغييرين؛ مفهوم التغيير عند الآخرين؛ علم النفس الفردي والاجتماعي؛ العلاقة بين سلوك الإنسان وما بنفسه؛ يظهر أثر ما بالنفس ولو كان وهما؛ ما بالنفس يتفاوت في الرسوخ؛ كيف تلقى السنن القبول؛ العقل والسنن في القرآن؛ الفعل والانفعال؛ المنهج والتطبيق.
إن الخلاصة المحورية التي يسعى الكاتب لترسيخها لدى القارئ هي أن التغيير بشكل عام في مسائل الدنيا رهين بسنن (=قوانين) لا بد من تَحريها لكي يُغير الله الواقع إلى وضع أفضل. أهم هذه السنن هي تغيير ما بالأنفس كما جاء في الآية الكريمة التي عَنوَن بها الكتاب. والمراد بما بالأنفس هو: الأفكار، والمفاهيم، والظنون، في مجالي الشعور واللاشعور. (ص:51)
ويؤكد الكاتب على فكرة هامة تستتبع الخلاصة المحورية السابقة وهي أن تمكُن الإنسان من استخدام سنن التغيير، يمنح الإنسان سيطرة على سنة التاريخ، وسيطرة على صنعه وتوجيهه. بل ويلح على أن الإنسان لا يندفع نحو العمل المفيد ما لم يقتنع أن هناك خطوات لا بد من اتباعها لبلوغ الهدف والوصول إلى الحل. وفي المقابل يصير الإنسان مشلول الحركة والمبادرة إذا آمن أن هناك عوامل خارقة هي التي تتدخل لحسم النجاح.
يقول الكاتب: "إن اندفاع الإنسان للحركة المُجدية، مرهون باقتناعه أن لكل مشكلة طريقة لحلها. فكذلك المسلمون لا يمكن لهم أن يتحركوا بجدية لتغيير واقعهم، ما لم يقتنعوا أن مشكلتهم تخضع لقوانين وسنن. أما إذا بقي لديهم شعور أن المشكلة لن تحل إلا بالمهدي المنتظر، أو بأن الزمن شارف على الانتهاء، فإن المشكلة تبقى دون حل، بل تزداد تعقيدا. وما لم نتمكن من معرفة تغيير ما بالنفس، وما معرفة ما ينبغي أن نغير كما وكيفا، فسنظل ننتظر المهدي فعلا وإن نفينا عن أنفستنا ذلك نظريا. إن الإيمان بفكرة ما ـبشكل منحرف ـ يؤدي إلى مواقف سلبية. (ص:120ـ121)
من هذا المنطلق، يعتبر الكاتب أن مشكلتنا بالدرجة الأولى رهينة عالم الأفكار أي متصلة بالتصورات التي ننظر بها إلى العالم. ويؤكد أن الأمراض الفكرية التي يعاني منها العالم الإسلامي فتاكة بل مميتة. ويقول في ذلك: إن الأمراض التي نعيشها في مجال  الفكر، أمراض مميتة، قاطعة لطريق الحياة. إن ضغط إرهاب القرون الماضية في الفكر، سيف مسلط على رؤوسنا. وإزالة هذا الكابوس، لن تتم إلا بجهود عظيمة: الدأب في الدرس، وفتح الأبصار والبصائر، والسير في الأرض والنظر إلى ما خلق الله، وكيف بدأ هذا الخلق. وهذه كلها لم نتعود عليها بعد، بل لا نرى فيها كثيرا من الجدوى، مهما تكرر النداء في آيات القرآن، وبعث الهمم إليها.ص: 176ـ177
إن الغرور الذي نظر به المسلمون إلى أنفسهم بلغ مبلغا كبيرا. وإن نزوعهم نحو الاكتفاء بالنصوص الشرعية لقراءة سنن بناء الإنسان والعمران صارت غير محتملة، إذ تبقى الحاجة ملحة إلى كشف سنن الآفاق والأنفس لتسخيرها في بناء النهضة المأمولة. يقول الكاتب: يكفي ما نظرنا فيه إلى أنفسنا بالغرور، من أننا ورثة علم الأولين والآخرين! ...، وأننا لم نعد في حاجة إلى أن نشد رحلا لطلب علم،   أو نخصص وقتا لإعمال الفكر، أو أن يكون في العالم أحد، يمكن أن يكون مظنة أن يكشف سنة من سنن الله في الكون، أو يرى آية من آياته في الآفاق والأنفس، سواء كان من أهل الكتاب أو لم يكن. ص: 177


إن كتاب (حتى يغيروا ما بأنفسهم) هو صرخة الأستاذ جودت سعيد التي عبر فيها عن أن المسلمين بعيدون عن اعتبار السنن الكونية بشكل عام، التي تطال الآفاق (الطبيعة والعمران) والأنفس (الإنسان)، والتي لا يتحقق النجاح من دونها في الدنيا. ولذلك فالكاتب يدعو إلى أخذ هذه السنن بعين الاعتبار بمعنى تحقيق التغيير على مستوى الأنفس لكي يتحقق تغيير الله.  


0 التعليقات

إرسال تعليق