| 0 التعليقات ]



اهتم مالك بن نبي بمشكلة الثقافة ومشكلة الأفكار في العالم الإسلامي لأنه انتبه مبكرا إلى أن محور القوة في عالم القرن العشرين يكمن في الأفكار. شرع في كتابة كتابه (مشكلة الأفكار) منذ عام 1960 لكن لم يُكتب له النشر إلا في مطلع السبعينيات قبل وفاته بقليل.
يتوزع الكتاب على 17 فصلا علاوة على مقدمة وخاتمة:
في الفصل الأول (الإجابتان على الفراغ الكوني)، افترض الكاتب الحالة التي يكون فيها الإنسان عندما يكون منعزلا حيث ينتابه شعور بالفراغ الكوني، ليصل إلى أن الإجابة عن هذا الشعور بالفراغ  هي التي تحدد طراز حضارته وثقافته.
هناك إجابتان لملء هذا الفراغ: الأولى هي أن ينظر الإنسان إلى الأرض أي أن يرتبط بعالم الأشياء. وينشأ عبر هذه الطريقة نموذج من ثقافة السيطرة على الوسائل والأشياء. الإجابة الثانية هي أن يرفع بصره نحو السماء اي يرتبط بعالم الأفكار. وينشا عبر هذه الطريقة نموذج من ثقافة حضارة ذات جذور أخلاقية وغيبية.
تكون الحضارة في الأوج حينما تتركز الأشياء حول فكرة حينا، وحينا تبلغ الأوج حضارة أخرى تتركز فيها الأفكار حول الشيء.
يؤكد الكاتب أن الأدب وعاء لمضمون ثقافي يعبر عن رؤية كونية. وبمقارنة بسيطة بين قصة "حي بن يقظان" وقصة "روبنسون كروزو" نكتشف حجم التباين الكائن بين رؤيتين كونيتين. في القصة الأولى، يجعلنا ابن طفيل نتتبع صعود ذهنه لكي يكتشف شيئا فشيئا (الروح) ثم (خلود الروح) وأخيرا فكرة (خالق). أي أن عالم "ابن طفيل" هو عالم الأفكار والغايات الكيفية لمواجهة الوحدة. بينما في القصة الثانية، يصور لنا "سيكار" كيف امتلأ روبنسون بصنع "طاولة"، أي أن عالم "روبنسون" هو عالم الأشياء والوسائل الكمية  للتغلب على الوحدة.
في الفصل الثاني (الطفل والأفكار) تناول الكاتب مسار اندماج الطفل في المجتمع: 1ـ العمر الذي يكتشف فيه تلقائيا عالم الأشياء، وهو يلعب بأصابعه ومصاصته. ويتم هذا الاكتشاف بامتلاك الأشياء التي يحملها تلقائيا إلى فمه. 2ـ العمر الذي يكتشف فيه تدريجيا عالم الأشخاص. 3ـ العمر الذي يكتشف فيه اخيرا عالم الأفكار. ويبدأ من اللحظة التي يتمكن فيها من تكوين روابط شخصية مع مفاهيم تجريدية.
في الفصل الثالث (المجتمع والأفكار) يعتبر الكاتب أن المجتمع خاضع لنفس مسار تطور الطفل في علاقته بالعوالم الثلاثة (عالم الأشياء، ثم الأشخاص، ثم الأفكار). ويلح على أن المجتمع المتخلف موسوم بافتقاره للأفكار. ويستحضر نموذج المجتمع الجاهلي الذي كان يدور في فلك الصنم (= الشيء) ثم تطور إلى التمركز حول القبيلة أي عالم الاشخاص إلى أن أضاءت فكرة في غار حراء. ص:39
في الفصل الرابع (الحضارة والأفكار) يعود الكاتب إلى مفهوم الحضارة بوصفها "جملة من العوامل المادية والمعنوية التي تتيح لمجتمع ما ان يُوفر لكل عضو فيه الضمانات الاجتماعية اللازمة لتطوره (=لتنمية الفرد)" ويشير في عبارة بليغة إلى أنها "القدرة على القيام بوظيفة أو مهمة معينة" ؛ ولهذا يرى أن الأفكار لها دور وظيفي فيها.
في الفصل الخامس (الطاقة الحيوية والأفكار) يحذرنا الكاتب من الانجرار وراء التحرر الحيواني للطاقة الحيوية معتبرا إياه إيذانا بنهاية الحضارة. ويضيف الكاتب أن الفكرة الاسلامية تُمكن المتشبع بها من احتواء الطاقة الحيوية بشكل إيجابي مبرزا مثالا دالا وهو تحريم الخمر وكيف كانت الفكرة الاسلامية المغروسة في أعماق وجدان المسلمين الأوائل سببا في نبذهم له وهو ما عجز عنه القانون الأمريكي عام 1929. أما في الفصل السادس (عالم الأفكار) فقد وضح فكرة هامة مفادها أن الأفكار المخذولة التي تتعرض للخيانة؛ تنتقم لنفسها. هذه الفكرة أعاد توضيحها من زاوية أخرى في الفصل الأخير (انتقام الأفكار المخذولة).
وفي الفصل السابع (الأفكار المطبوعة والأفكار الموضوعة) تناول بالدرس والتحليل إسقاطات هذين المفهومين على العالم الإسلامي. يقول الكاتب: تلقى المجتمع الإسلامي رسالته المطبوعة منذ 14 قرن على هيئة وحي، فانطبعت في ذاتية الجيل المعاصر لغار حراء. على المستوى المادي: رسمت الرسالة نتائج اجتماعية جديدة (كالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار). أما على المستوى الفكري: فقد تم إيجاد مقاييس جديدة في أسلوب التفكير. وفي الإطار النفسي والأخلاقي تعرضت الطاقة الحيوية لاستقطاب مهم في مراكز جديدة (نموذج بناء الخندق). كما صار فعل العقوبة على الجسد اخف وطأة من فعل الخطيئة في الضمير. ص:71ـ72
في الجو الاسلامي الأول كانت الأفكار المطبوعة تضع بصماتها على جميع الأفكار الموضوعة فلم يعد هناك شيء دنيوي. وحين تطغى الأفكار الموضوعة على المطبوعة يتفتت المجتمع لأنه لم تعد لدى دوافع مشتركة.
في الفصل الثامن (جدلية العالم الثقافي) يناقش الكاتب معوقات الإقلاع الحضاري للعالم الإسلامي الناتجة عن عدم التماسك في عالم الأفكار أمام طغيان عالم الأشخاص وطغيان عالم الأشياء (حيث نجد أنه: على المستوى الفكري، التركيز على عدد صفحات الكتاب وليس محتواه. وعلى المستوى الاجتماعي، التصدي للمشكلات في جانبها الكمي. وعلى المستوى السياسي، استلاب قدرات المجتمع في التخطيط عند مواجهة التخلف).
في الفصل التاسع (جدلية الفكرة والشيء) يحيل الكاتب على أبعاد المشكلة ذات الطابع المزدوج حيث نجد أنه في بلد متخلف يفرض الشيء طغيانه بسبب ندرته، ويتم الميل نحو التكديس الذي يصبح في الإطار الاقتصادي إسرافا محضا. بينما في بلد متقدم وطبقا لدرجة تقدمه: يسيطر الشيء بسبب وفرته وينتج نوعا من الإشباع. ولهذا يخلص الكاتب إلى أن الشيء يطرد الفكرة حين يطردها من وعي الشبعان والجائع معا.
في الفصل العاشر (صراع الفكرة ـ الوثن) يبين الكاتب كيف أن الفكرة إذا تم ربطها بالشخص، تصير في مستوى معين "وثنا". ويرى في الفصل الحادي عشر (أصالة الأفكار وفعاليتها) أن هناك فكرة أصيلة دون أن تكون فعالة والعكس صحيح أيضا. وينبه إلى خطورة دسائس الصراع الفكري حيث يتم إيهام شبابنا الجامعي بالمقابلة بين أصالة الفكرة الإسلامية وفعاليتها، إذ يصبح متوسط الدخل الفردي (=مؤشر من مؤشرات قياس الفعالية) حجة لهدم اصالة الفكرة الإسلامية في عقل المثقف المسلم.
في الفصل الثاني عشر (الأفكار وديناميكا المجتمع) يستعيد الكاتب بعض مضامين الهدي النبوي التي تختزن إشارات دالة مفادها أن منطق الفعالية أولى أحيانا من منطق الأصالة (في غزوة تبوك، على سبيل المثال، التي كانت وسط رمضان وكانت مشقة الصوم كبيرة حينها؛ نجد المصطفى يعزو الفضل في الانتصار إلى الذين أفطروا ذلك اليوم قائلا: "ذهب المفطرون بالأجر"). وفي هذا الإطار توصل الكاتب إلى أنه: من أجل أن يثبت العالم الإسلامي بمنطق العصر بأن أفكاره صحيحة لا توجد غير طريقة واحدة هي إثبات قدرته على تأمين الخبز اليومي لكل فرد. ص:113
في الفصل الثالث عشر (الأفكار والاطراد الثوري) يبين الكاتب فكرة هامة مفادها أن الاستعمار يعرفنا أكثر من أنفسنا؛ إذ يعلم جيدا أن فينا نزعة تقودنا إلى صياغة الأحكام طبقا لعالم الأشخاص وليس وفق قوالب عالم الأفكار. ويشير في الفصل الرابع عشر (الأفكار والسياسة) إلى (النزاهة والكفاءة) باعتبارهما الأفكار البارزة التي ينبغي أن تؤطر تفكيرنا أثناء اختيار رجل السياسة. بينما نجده في الفصل الخامس عشر (الأفكار وازدواجية اللغة) يلح على أن ازدواج اللغة يمكن أن تتولد عنه نتائج مناقضة للثقافة الوطنية.
في الفصل السادس عشر (الأفكار الميتة والأفكار المميتة) يؤكد الكاتب على التمييز بين "الفكرة الميتة" و"الفكرة المميتة". فالفكرة الأولى هي التي خذلت الأصول وانحرفت عن مثلها الأعلى، أما الفكرة الثانية فهي التي فقدت هويتها وقيمتها الثقافيتين بعدما فقدت جذورها التي بقيت في مكانها في عالمها الثقافي الأصلي. 

0 التعليقات

إرسال تعليق