| 0 التعليقات ]




نعم، الحركة الإسلامية قاصرة ولعبت أدوارا غير مطلوبة وخلقت معارك وهمية... إلى غير ذلك. أتفق مع كل هذا، وأؤمن بما يفوق هذه الخلاصات. غير أن ما يثير استغرابي في كل مرة، هو أن تكون الحركة الإسلامية الحائط القصير لكل من يميل إلى إبراز نزعة النقد، هو أن تكون الحركة الإسلامية مشجبا نعلق عليه كل ما يعتورنا من أدواء، هو أن ننسى دروس التاريخ والسوسيولوجيا والسيكولوجيا ونكتفي بالإيديولوجيا حينما نقرأ موقع الحركة الإسلامية في أي واقعة.
في الحالة التونسية؛ سمعتُ من مثقفين ومن شباب قوميين أن الحركة الإسلامية التونسية في شخص النهضة هي التي تقف وراء ظواهر "الشذوذ الجنسي" ودعاوى "المساواة في الإرث".. وسمعتُ منهم كذلك، أنها أيضا تقف وراء إرسال الشباب إلى "داعش" في سوريا، كما يقف "جهازها السري" الانقلابي وراء اغتيال المناضلَين "شكري بلعيد" و"محمد البراهمي".
اتُهمت الحركة الإسلامية في تونس من طرف شخصيات ومؤسسات إسلامية بأنها حركة متسيبة إذ قامت بترشيح امرأة غير محجبة لعمودية العاصمة وقامت بالفصل بين الوظيفة الدعوية والسياسية وتسامحت مع قضايا الهوية في الدستور. وفي الجهة المقابلة، اتُهمت من طرف الإمارات والسعودية (أي عمليا من طرف الولايات المتحدة والكيان الصهيوني) بأنها حركة إرهابية لا يجدر بها أن تبقى ولو للحظة على هامش السلطة.
في الحالة المغربية؛ نقرأ يوميا تحليلات وتصريحات تذهب إلى أن الحركة الإسلامية المشاركة في العملية السياسية ذات نزوعات هيمنية ومشدودة إلى الاستفراد بالسلطة، ونقف في المقابل على تقييمات أخرى تذهب إلى أن الحركة الإسلامية حركة مهادنة وضعيفة تخلت عن صلاحيات رئاسة الحكومة. شاهدنا كيف أن الحركة اتهمت بأخونة الدولة في مسيرة ولد زروال وغيرها، كما نقرأ في كل مرة تصريحات من مؤسسات وجمعيات وشخصيات تنعي فيها الهوية الإسلامية للحركة.
تتهم الحركة بأنها هي من أدخلت العنف إلى الجامعة، وبأنها هي من أدخلت التطرف إلى المجتمع، وبأنها هي من وضعت نقطة النهاية للزمن الجميل.  
في الحالة المصرية؛ حدث ولا حرج. كل لعنات العصر ألصقت بالحركة الإسلامية فيها. فالمداخلة يفتخرون بأنهم فضحوا "حزبيتها" و"بدعها" و"انحراف عقيدتها"، والوهابيون يتهمونها بأنها حركة ضالة خارج عقيدة أهل السنة والجماعة القائمة على فقه الطاعة. في المقابل، يتهمها الليبراليون بأنها حركة منغلقة ومتشددة ومستبدة، والاشتراكيون بأنها حركة رأسمالية، والماركسيون بأنها حركة زائفة، والقوميون بأنها حركة متصهينة وعميلة، والسلطة بأنها حركة إرهابية وعنيفة.
يتهم القوميون الحركة الإسلامية بأنها تحقد على الفكر القومي وأنها حركة عولمية غير وطنية، في حين يقذفها الأمازيغيون بأنها حركة قومجية عُروبية لا تُسبح سوى باسم فلسطين واللغة العربية. يتهم القوميون الحركة الإسلامية بأنها تدعو إلى إسلام أمريكاني رخو، في حين أن يرى الأمازيغيون أنها تدعو إلى إسلام قريش الصحراوي الصلب.
يرى القوميون أن الحركة خرجت من المطبخ البريطاني وتشتغل حاليا تحت إمرة السيد الأمريكي، في حين أن السيد الأمريكي والمطبخ البحثي البريطاني لا شغل لهم سوى فك ألغاز هذه الحركة ونشر الدراسات حولها والتشهير بها عبر القوائم الإرهابية وتسليط الضوء على صورة "الإزعاج" الذي تسببه حركة حماس للمستوطنين الصهاينة.  
كما تُتهم من طرف القوميين دائما بأنها تواطأت مع الولايات المتحدة لصناعة "الربيع"؛ في حين أنها مُتهمة من طرف القوى الوطنية الثورية بأنها حركة مترددة لم تلتحق بالثورة إلا يوم 28 يناير في مصر أي بعد ثلاثة أيام من انطلاقتها وإشعاعها، أما في تونس والمغرب فهي حركة ركبت على موجة الأحداث وغيرت بوصلة الانتفاضة.
إذن، الحركة الإسلامية هي: حركة منغلقة ومتشددة وإرهابية وعنيفة ومستبدة ومنمطة ورأسمالية وقومجية وعولمية وغير وطنية ومتصهينة ومتأمركة وعميلة وضعيفة ومهادنة ومحافظة وانقلابية وزائفة ومتسيبة ومتميعة وشاذة ومبتدعة وضالة ومنافقة ومنحرفة وحزبية.
بكل صدق، هذه حركة سماوية خارقة وليست جسما ينتمي إلى كوكب الكرة الأرضية. 
المشكل الأكبر يكمن في أن خلفية التحليل المشتركة لدى أغلب هذه القراءات تنطلق من تحليل مثالي للحركة مفاده هو أن الحركة تنطلق من أرضية عقائدية موسومة بالطابع الفلاني وبالتالي فالسلوك تلقائيا سيكون كالتالي. وهذا وهم كبير حطمته العلوم الإنسانية والاجتماعية. حصة الوعي أو القناعة العقدية والفكرية محدودة جدا في حركة الإنسان وسلوكاته السياسية والاجتماعية. 
إن الحركة الإسلامية هي انعكاس للوضعية التاريخية التي عاشتها مجتمعاتنا، والفروق القائمة بينها على مستوى الأقطار، مرتبطة بالمعطيات السوسيولوجية الموضوعية المختلفة، بل إن الاختلافات الكامنة داخل جسم الحركة راجع بالدرجة الأولى إلى اختلاف الروافد الاجتماعية الحاضنة لكل اتجاه. ولهذا، فتحولات المجتمع حسب اللحظات التاريخية المتعاقبة ستقرر في شأن مستقبل الحركة بشكل موضوعي من دون الجهود الذاتية التائهة لخصومها. 
إن تأجج الخلاف بين الحركة وكل التيارات الوطنية – فضلا عن العوامل الذاتية غير المنكورة - وراءه يد غير خفية هي يد العدو الصهيوني - ورُعاته الإمبرياليين الكبار ووكلائه المستبدين الصغار- الذي زُرع في خاصرة الأمة حتى لا ننام ولا نستيقظ ونبقى أسرى حالة حيص بيص.
 فمتى يتوقف هذا العبث، وننشغل بما هو أهم.
أبشر كل المتلهفين إلى نهاية مسلسل الحركة الإسلامية بأنها كحركة اجتماعية سنواتها معدودة. ولكن، لن تكون النهاية بفعل عوامل خارجية (المقصود هنا مثلا: قياس أثر خطاب ذ.عصيد  على انفضاض جمهور المواطنين عن الحركة)، بل ككل الحركات ستتم بفعل عوامل داخلية بالدرجة الأولى.
إن الحرب الشاملة الممنهجة ضد الحركة هي التي تمدها بإكسير الحياة. وكلما انخفضت وطأة الحرب، كلما رأيت الحركة متراخية وآيلة إلى النهاية المحتومة. إن ما سببه النظام السلطوي في مصر، مثلا، للحركة هو مدعاة لإطالة أمد حياتها.
ولكن، لنفترض أن الحركة ذهبت إلى رحمة الله. ماذا أعددتم جميعا لنا؟ أو بالأحرى، ماذا أعددنا لما بعدها؟

°هي مجرد خواطر تداعت ليلا فأردتُ تسجيلها، وللحديث بقية في كتابات أكثر رصانة.


0 التعليقات

إرسال تعليق