| 0 التعليقات ]



حضرتُ مؤخرا نشاطا دوليا جمع جنسيات متنوعة في الوطن العربي. أتاح لي اللقاء فرصة التعرف عن كثب على ملامح فرادة هويتنا الوطنية (بعد استحضار عمقها الإسلامي العربي). فالهوية، في أبسط دلالاتها، هي حقيقة الشيء من حيث تميزه عن غيره. من هنا، كانت معاينتي لثقافة باقي مكونات الوطن العربي محطة لاستجلاء تميز هويتنا المغربية عن باقي الكيانات العربية، دون إهمال فكرة التنوع في إطار الوحدة.
إنه أمر لافت، أننا –نحن المغاربة- لسنا نسخة كربونية لغيرنا (=أي لأشقائنا العرب).
 خذ العامية المشرقية؛ فيها مشترك كبير في المعاني و المفردات بين مختلف الكيانات العربية من أقصى الخليج إلى الجزائر (و أعني ما أقول حينما أحُد المجال بالجزائر). و من اليسير لأي مواطن عربي، ينتمي لهذا المجال، أن يستوعب حديث زميله و لو كان من أقاصي هذا المجال. باستثناء العامية المغربية، لن يفهمها الكثيرون. و بالمناسبة، جنسية "العامية" لا علاقة بالتمكن من اللغة الفصيحة؛ فالمغاربة لا يتلعثمون في الحديث بالفصحى رغم بُعد عاميتهم عنها. بل إن أحد الشباب المشاركين في النشاط، و هو مهاجر مغربي أمازيغي قح من مدينتي "تيزنيت" يقطن في فرنسا منذ صباه في 2002 (درس الابتدائي في تيزنيت ثم هاجر)، يتحدث بفصاحة مثيرة للاهتمام.
على المستوى الفكري، المغاربة معروفون بالشغب الفكري و بآرائهم المثيرة التي تعادي التقليد و تنزع نحو التجديد. أحد الشباب المهتمين بالفكر، من الصومال، عبر لي عن تقديره الشديد للمفكرين المغاربة  (و أشار لي لبعض الأسماء: من بهذا قبيل الدكتور محمد عابد الجابري و هو "عروبي معتز بإسلامه"، و الدكتور سعد الدين العثماني و هو "إسلامي معتز بأمازيغيته").  و هؤلاء، رغم البون الواسع بين مجالات اشتغالهما، قدموا للمكتبة الإسلامية تجديدات مهمة و إضافات نوعية. كما عبر لي شاب آخر، من قطر، عن سروره بمقابلة أهل المغرب و حبه لعلمائه و مفكريه؛ دون أن ينسى استياءه  من "التواضع الشديد" الذي يتصفون به بخلاف أهل المشرق (قطر و البلدان الخليجية خاصة)، قائلا: ما إن يتحصل أحدهم على شهادة "البكالوريوس" (=الإجازة)، حتى يتجه نحو نشر "سبعة" كتب و المشاركة في الندوات و الدورات و  إنشاء المراكز  و "بلبلة" الدنيا..
على صعيد الفكر السياسي -مثلا-؛ الشباب المغاربة "حسموا" تقريبا ! مع خيار الدولة المدنية و الإيمان بالديمقراطية و الحرية. في حين أن العديد من الأطراف في الحالة العربية مازالوا يستنكفون من قضية "مدنية" الدولة. على أن العمليات الجراحية الفكرية مازالت تشتغل، هناك، للاتجاه نحو التصالح مع هذا الخيار.
دعونا نتساءل: لماذا هويتنا الوطنية فريدة و متميزة؟
لعل مجيبا يقول: إن المغرب تعرض لاستعمار فرنسي. و معروف أن فرنسا هي مهد التنوير و الحداثة.  و بالتالي، فالمغرب استفاد من هذه الرياح الفكرية التنويرية الفرنسية القوية للقيام بتجديد الفكر الديني و تثوير الخطاب الإسلامي.
لا شك أن هذا سبب مهم و مفتاح أساسي لفهم تقدم الذهنية المغربية على نظيرتها المشرقية (في العديد من الأصعدة). غير أننا إذا اكتفينا بهذا المستوى من التحليل. بماذا سنفسر، إذن، الفروق الكبيرة –على مستوى الذهنية- التي بيننا و بين سوريا الجريحة و لبنان الممزق و كلاهما تعرض للاحتلال الفرنسي؟
إني ،هنا، لا أخفي أن ذاكرتي تستدعي المكون الأمازيغي في هويتنا الوطنية. فهناك تكمن "العبقرية المغربية". و ينبغي أن ننصف المثقفين الأمازيغيين الوطنيين المعتدلين رواد الحركة الأمازيغية (ذ.أخياط، د،شفيق، ذ.أزايكو، د.بوكوس ..) الذين لفتوا انتباه المغاربة بعد رحلة نصف قرن من النضال الثقافي و الاجتماعي إلى هذا المكون الهام الذي يثري هويتنا الوطنية.
بخصوص قضية العامية أو الدارجة المغربية، لماذا هي عصية على باقي أبناء الوطن العربي. أشير إلى أن "فيلسوف" الحركة الأمازيغية أو بالأحرى "فيلسوف" لامريك (أي الجمعية المغربية للبحث و التبادل الثقافي) –بتعبير ذ. ابراهيم أخياط- و هو الأستاذ الصافي مومن علي؛ اعتبر في إحدى كتاباته –لعله كتاب "خطابات إلى الشعب الأمازيغي"- أن الدارجة المغربية ترجمة حرفية للأمازيغية إلى العربية فبنيتها اللسانية أمازيغية خالصة.
هل هذا الرأي صائب أم لا؟ هذا نقاش اللسانيين. المهم أنه يضفي معان إضافية على الفكرة-الرأي: مرد فرادة هويتنا الوطنية الغنية هو المكون الأمازيغي. 
قصدي في هذه الأسطر ليس توسيع الهوة بيننا و باقي إخواننا في الوطن العربي. و إنما هو تجديد الدعوة للاعتزاز بالمكون الأمازيغي في هويتنا الوطنية. و هذا الاعتزاز بهذا الانتماء لا يتنافى إطلاقا –إلا في أذهان بعض المغرضين و المتحاملين على  عمقنا العربي الاسلامي- مع العمل على تعميق الصلة بباقي الكيانات العربية و خاصة المغاربية. فاليوم، بات واضحا انه من زاوية استراتيجية: لا مستقبل إلا للتكتلات البشرية الضخمة و الأسواق الكبيرة و بالتالي فلا خيار لنا في العمل بجدية على بناء  الاتحاد المغاربي  و لم لا الاتحاد العربي؟



0 التعليقات

إرسال تعليق