| 0 التعليقات ]






الحركة الإسلامية المعاصرة، منذ ميلادها في العقود الأولى من القرن الماضي حملت أشواق إخراج الأمة من حالة التيه. تناسلت عدة أحداث بعد النشأة و الميلاد و اشتداد العود حتى وصلنا إلى مرحلة المد و الجزر بين بذور الانتفاضة و جذور الاستبداد.. السؤال الذي يبقى دائما متجددا، ما الذي بقي من دور للحركة الإسلامية  في المرحلة الراهنة ؟
شعار "إقامة الدولة الإسلامية"، من المؤكد أنه بات مهلهلا. فخطاب الحركة الإسلامية الناضجة استبعد هذا الشعار. تحرير فلسطين، لا ريب، أن الحركة الإسلامية المقتدرة "حماس"( و معها حركة "الجهاد" أيضا) مازالت وفية لخط الكفاح و ثابتة على هدف التحرير الشامل، و غير خاف، أن كل الحركات الإسلامية على ذات المساق.. 
لكن القضية الجديدة، التي تشكل تحديا واضحا للحركة الإسلامية، هي التغول السافر للنزعة الاستهلاكية في أوساط مجتمعاتنا. هذه النزعة التي تحطم الإنسان و استعداداته للعطاء؛ تشكل خطرا يفوق، في تقديري، التحدي الفكري الذي واجهته الحركة الإسلامية في العقود الماضية. لأن هذا التحدي الفكري ( سواء الماركسي أو الليبرالي ) ساهم بطريقة أو بأخرى في تنضيج خطاب الحركة الإسلامية. أما التحدي الجديد، فخطبه أشد لأنه، من جهة، يقتل قابلية التضحية من أجل المجتمع و الأمة في نفوس الأفراد بل يسهم في فتور جاهزية أبناء الحركة الإسلامية للعطاء بلا أخذ و خدمة الناس بلا طمع..
المسلم المعاصر أمام هجمة موجة الاستهلاك يفقد كليته الإنسانية و بوصلته القيَمية  و بالتالي يحتاج إلى عقيدة صافية نقية تستند إلى المرجعية القرأنية (لا تعقيدات في فهمها و لا حاجة لاستحضار الجدالات التي دارت بشأنها في القرون الأولى في "علم الكلام") كما يحتاج إلى حاسة قوية "التقوى"  تكبح المنزع الاستهلاكي أو على الأقل تهذبه.
من هنا، الحركة الإسلامية من واجبها في المرحلة الراهنة، أن تنحو منحى التبسيط من غير إخلال في خطابها، تُذكر بقيمتين إسلاميتين خالدتين كفيلتين بمجابهة السيولة الاستهلاكية.
-          قيمة "التقوى": هي إبداع إسلامي خالص، تشير لشعور دفين في أعماق وعي المسلم تجاه كل سلوك مناف للشرع و كل تساهل في القيام بالواجب. تُشكل  حصنا منيعا للمُتشبث بها أينما كان. هي المَقود الذي يقود المسلم إلى الإحسان في المعاملة و العمل و نبذ الغش و الكذب. هي الحاجز النفسي الذي يدفع عنه نزوعات التهام كل الأطعمة و ارتداء كل الألبسة  و امتلاك مختلف الهواتف الذكية و الالتصاق بجديد السيارات الفارهة و اللهث وراء ألوان مساحيق التجميل المُزينة.. 
-          قيمة "التحرر": هي التحرر من كل المعبودات من دون الله جل في علاه. تفوق أهميتها من وجهة نظر إسلامية المعاني التي تُلبس لها من اليسار عموما. لأنها رفض للضيم و الاستبداد، نعم، مواجهة للظلم و الطغيان، نعم، حرب على الاستغلال و الاستعمار، نعم.. و تهذيب راشد لنوازع النفس المادية أيضا و الاستهلاكية منها خصوصا. هي ذات القيمة التي تحرك أبطال المقاومة في غزة العزة إذ يكتفون في مشهد مهيب و في شهر عظيم (رمضان) بالفطور بنصف ثمرة بعدما انقطعت بهم السبل في عملية بطولية (المكوث في الأنفاق ما يقارب العشرين يوما).

أمام الحركة الإسلامية، الصادقة في خدمة الدين و الأمة و الوطن، رهانات كثيرة في المرحلة الراهنة. عموما هذه الرهانات تنحو إلى اتجاهين؛ اتجاه تصفية الأفكار و القيم الميتة، التي تفرز ظاهرة "الداعشية" و "الجهاد بلا بوصلة" أي الإرهاب بصفة عامة و قتل الأبرياء و التي تؤدي أيضا إلى  التضخم الشكلاني في التدين و التطرف السلوكي و معاداة الاختيار الديمقراطي و استعداء أفراد المجتمع و تكريس الطائفية فيه. و الاتجاه الثاني يصب في إطار تصفية الأفكار و القيم القاتلة، التي تدعم النزعات الاستهلاكية الجارفة  و تروج للقيم المادية المسمومة و تقتل حس الانتماء للوطن و الأمة و تعادي خيار التحرر و المقاومة في القضايا المصيرية كالقضية الفلسطينية.


0 التعليقات

إرسال تعليق