| 0 التعليقات ]




المتأمل في السلوكات النشاز (دينا و عقلا و قانونا) التي يقوم بها الناس، لا شك أنه سيتلمح خيطا وراءها يفسر لماذا يلجأ الناس إليها.
صنم كرة القدم، إله أرضي يحظى بعبادة منقطعة النظير في العقود الأخيرة؛ يتسمر الإنسان (سواء كان شابا أو كهلا) أمام الشاشة أو مباشرة في الملاعب ساعات، و يتابع بحماس "هستيري" المباراة، قد يُضحي بكل شيء من أجل هذه المتابعة. عينُه على المرمى: متى تُقذف الكرة فتخترق الشباك ! ينفعل وجدانيا مع نتائج المباراة بشكل مثير، يصفق، يصرخ، يحزن.. ! يضمر هذا الانفعال و يغيب تجاه قضايا الوطن و الأمة و المصير..
ألا يؤشر هذا الفعل ( المتابعة المتلهفة، التضحية بأوقات غالية، لرؤية (كرة !) تتلاعب بها الأقدام في انتظار اختراقها للشباك)، حقيقة على أزمة فقدان المعنى لدى هذا المتابع ؟
هنا، لا نتحدث عن الكرة كرياضة من شأنها صقل الجسم بل نقصد رأسا هذه المتابعة غير العادية لمختلف البطولات و الأندية و المباريات.
أعتقد، أن هذا المتابع  فقد المعنى في الحياة  و صار يتابع وهم المباريات لعله يجد معنىً في الهدف الذي يُسدد صوب المرمى بعدما فقد الهدف الحقيقي في الحياة.
المُسكرات و المخدرات و كل ما من شأنه تغييب العقل و الوعي، آلهة لها سدنة كُثُر. لماذا؟ باختصار، لأن الإنسان تلوح له الحياة و كأنها استنفذت أغراضها و لا معنى فيها؛ فيستقر تفكيره على أن المعنى: ربما، هناك في المخدر !
الموسيقى الصاخبة، التي تثوي دعوة إلى العبث و التفاهة و الرائجة في العُلب الليلية؛ من الواضح أن أصحابها فقدوا ذات المعنى في الحياة و صاروا يتلمحون التفاهة في قالب موسيقي مجسدة لهذا الغائب (أي المعنى). أتحدث عن أمثال on va danser. C’est la vie. La. La. أما الفن عموما ( و منه الموسيقى ) فهو تعبير أصيل عن أشواق  الإنسان و كبده المستمر بحثا عن المعنى.
التعامل غير اللائق و غير المناسب مع القرآن الكريم، من طرف بعض الناس ( الصراخ في قراءته و التغني بألفاظه )، لا يؤشر – ربما – سوى على بؤس معنى القرآن الكريم لدى هؤلاء الناس؛ فقد تحول من منارة هادية تجعل الإنسان يرنو ببصره إلى بعيد و يتطلع لرضوان رب العالمين إلى ألفاظ يُصرخ بقراءتها.
التضخم الشكلاني الذي يبديه بعض المتدينين، يعكس فقدانهم للمعنى العميق للانتماء لهذا الدين(= سبر أغوار معاني الاستخلاف و العبودية)؛ إذ صارت علامات التدين مختزلة في قوالب و صور معينة.

بكلمة، إن مشكلة المعنى هي أم المشكلات. و فقدان المعنى هو منشأ الانحرفات السلوكية بالأساس. و عالم اليوم، عالم ما بعد الحداثة، يوجه الإنسان لهذه الوهاد بإغراقه في الاستهلاك و إفراغه من كل معنى و انتماء.

0 التعليقات

إرسال تعليق