| 0 التعليقات ]





إن مشكلة المعنى في وجدان الإنسان المعاصر إذا لم نلتفت إليها بشكل جدي، فحتما لن نجد حلولا للانحرافات الاجتماعية التي نواجهها. هذه المقالة محاولة أولية لمقاربة سؤال: كيف نحس بالمعنى؟ أي كيف نستعيد الذاكرة و نؤمن بالقضية؟

1-      التأمل و التفكير الناقد:

إن التفكير الناقد و التساؤل المستمر و القراءة المتدبرة مدخل ضامن لولوج عالم المعنى: عالم الإنسان الحقيقي المحفوف بالأسرار و الحكم. كما أنه محاربة لتبلد الحس و إزاحة للركام العالق بالفطرة و الاستغراق المُشين للإنسان في حمأة المادية.
    
إن التجربة الإيمانية للأنبياء سلام الله عليهم تؤكد أنهم – خصوصا في بداياتهم -  في رحلة ممتدة عبر الزمان و المكان للتأمل في معنى الحياة و  استكناه عميق لرسالة الإنسان. فهذا خليل الرحمان يتأمل في سر الحياة و خالقها و يحاول أن يتلمحه في الشمس و القمر.. إلى أن وجد الرحمان. و هذا رسولنا الكريم يختلي مرارا بنفسه في غار حراء قُبيل البعثة لعله يرمق الفجر من بعيد..
كما أن التجربة الفكرية للفلاسفة و المفكرين لصيقة بالتأمل في كنه و معنى الحياة. فهذا سقراط يقضي ساعات طويلة تحت الشمس اللافحة (من الفجر إلى الظهيرة) يستغرق في التأمل. و هذا ديكارت لم يخرج من خلوته ( في قرية  بألمانيا ) في إحدى أيام نونبر سنة  1619 ( عمره آنذاك 23  سنة ) إلا بعد أن بزغ له الصبح و اتضحت له معالم المنهج بعد كبد التأمل؛ إذ كان يقضي اليوم كله وحده منصرفا إلى التفكير. و هذا نيتشه لم يخرج بإعلانه الشهير في صورة" زرادشت": لقد ماتت جميع الآلهة، و نريد الآن أن يعيش الإنسان الأعلى (السوبرمان). لم يخرج معلنا المعنى الذي لاح له في الحياة إلا بعد عزلة تأملية في قمم جبال الألب..

2-      قراءة سير المناضلين من أجل القيم الشامخة:

من الوسائل الرائدة في توجيه الإنسان – خصوصا في مطلع شبابه – إلى استعادة المعنى؛ إدمان قراءة السير و التراجم.
 و البداية، من الأهمية بمكان، أن تكون مع الأنبياء و المرسلين حملَة قيم التحرر و رسالة التحرير للعالمين و على رأسهم محطم الطواغيت رسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم. فالاطلاع على مسيرة تحملهم للضيم في سبيل دعوة الناس للتحرر من الدينونة للآلهة الزائفة و توحيد رب العالمين، تدفع الإنسان لاستصغار نفسه؛ إذ تلوح له حقارة اهتماماته و تفاهتها أمام الانشغالات الحقيقية التي ينبغي أن يعانقها من تذكير الناس بربهم و النضال من أجل تحررهم..
إلى جانب الصفحات المشرقة للأنبياء و المرسلين، تأتي سير الصحابة (و الصحابيات) و سير الصالحين  (و الصالحات) لتعمق بدورها القيم الشامخة المطلوبة في وجدان الإنسان  خصوصا عندما لا يزال متمتعا بقابلية التغيير في مطلع شبابه.
 إضافة إلى  سير رموز الحركة الوطنية و الإسلامية و الأمازيغية التي تنضح بالإشارات اللطيفة للآثار الإيجابية المستقاة من اعتناق قضية  و الفناء من أجل الفكرة و النضال من أجل الهوية و الكرامة و الحرية. هي شهادات بشرية حية تحطم ادعاءات الذين يقولون للشباب (طلبة و تلاميذ): حذار من الانتماء إلى فكرة أو التحيز لمشروع و رؤية.. !
إن سير هؤلاء تؤكد أن خط التفاني من أجل الفكرة و القضية ( و أشرف به من خط ! إن كان خط تذكير الناس بربهم و رسالتهم و المنافحة عن حريتهم و حقوقهم) و خط الاقتدار العلمي: خطين متوازيين.. يتساوقان.
إنها سير منيرة حقا تشير إلى أن التلميذ و الطالب اللذان لم يحددا انتماءا إلى فكرة و لا ولاءا لقضية و لا وفاءا لمشروع و لا اعتقادا بمبدأ ( نقصد هنا الولاء و الاعتقاد النسبي. و عادة  ما ينزع الإنسان في بداية رحلته الفكرية  نحو الإطلاقية و الوثوقية و كلما قرأ أكثر و تأمل في الحياة ارتقى نحو الإيمان بنسبية الأفكار و الرؤى و المشاريع و نحو العض بالنواجذ على المقولة المالكية الذهبية: "كل يؤخذ من كلامه و يُرد إلا صاحب هذه الروضة الشريفة: روضة الرسول صلى الله عليه و سلم "). إنه ما لم يعانق قيمة معنوية و استرخص حياته من أجلها، من اليقين  أنه سيفتقد معنى الحياة و لذة النضال على درب الكبار..

بكلمة، بالتأمل و الخروج من الألفة الغافلة و قراءة سير ذوي المعادن الأصيلة من البشر،  يحاول الإنسان أن يصل إلى معناه و ينسحق من عالم المادة الأملس و يتيقن أنه إنسان !

0 التعليقات

إرسال تعليق