| 0 التعليقات ]






في كتابه العمدة (طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد) وبالتحديد في فصل "الاستبداد والتخلص منه"، أفرد عبد الرحمان الكواكبي فقرات خاصة عبارة عن توجيهات عملية دقيقة موجهة للشاب(ة) "الراغب في نهضة قومه" لكي يهيئ نفسه ويزن استعداده؛ قائلا: إني أنبه فكر الناشئة العزيزة على أن من يرى منهم في نفسه استعدادا للمجد الحقيقي فليحرص على الوصايا الآتية:

1-      أن يجتهد في ترقية معارفه مطلقا، لا سيما في العلوم النافعة الاجتماعية كالحقوق والسياسة والاقتصاد والفلسفة العقلية، وتاريخ قومه الجغرافي والطبيعي والسياسي.. فيكتسب من أصول وفروع هذه الفنون ما يمكنه إحرازه بالتلقي، وإن تعذر فبالمطالعة مع التدقيق.
2-      أن يتقن أحد العلوم التي تكسبه في قومه موقعا محترما وعلميا مخصوصا كعلم الدين والحقوق، أو الإنشاء، أو الطب.
3-      أن يحافظ على آداب وعادات قومه غاية المحافظة، ولو أن فيها بعض أشياء سخيفة.
4-      أن يقلل اختلاطه مع الناس، حتى مع رفقائه في المدرسة، وذلك حفظا للوقار وتحفظا من الارتباط القوي مع أحد كيلا يسقط تبعا لسقوط صاحب له.
5-      أن يتجنب كليا مصاحبة الممقوت عند الناس، لا سيما الحكام، ولو كان ذلك المقت بغير حق.
6-      أن يجتهد ما أمكن في كتم مزيته العلمية على الذين هم دونه في ذلك العلم. لأجل أن يأمن غوائل حسدهم. إنما عليه أن يظهر مزيته لبعض من هم فوقه بدرجات كثيرة.
7-      أن يتخير له بعض من ينتمي إليه من الطبقة العليا، بشرط: ألا يكثر التردد عليه، ولا يشاركه في شؤونه، ولا يظهر له الحاجة، ويتكتم في نسبته إليه.
8-      أن يحرص على الإقلال من بيان آرائه، وألا تؤخذ عليه تبعة رأي يراه أو خبر يرويه.
9-      أن يحرص على أن يُعرف بحسن الأخلاق، لا سيما الصدق والأمانة والثبات على المبادئ.
10-   أن يظهر الشفقة على الضعفاء، والغيرة على الدين، والعلاقة بالوطن.
11-   أن يتباعد ما أمكنه من مقاربة المستبد وأعوانه إلا بمقدار ما يأمن به فظائع شرهم إذا كان معرضا لذلك (دار الشروق، الطبعة الأولى، 2007، ص:135-136).
هي دروس/وصايا/نصائح/توجيهات هامة، يمكن تلخيصها على الشكل التالي:

-          الاطلاع على الحد الأدنى من المعارف (لمحة عن كل شيء) في الفلسفة/الفكر، في تاريخ الوطن وأحزابه وحركاته ورموزه، الاقتصاد/القانون/السياسة.
-          الاطلاع على "كل شيء" في علم من العلوم، بمعنى إتقان تخصص من التخصصات العلمية سواء في العلوم البحتة الطبيعية/الفيزيائية/التقنية أو في العلوم الاجتماعية أو في العلوم اللغوية أو في العلوم الدينية.
-          مصاحبة الكبار على كل المستويات القيمية والإيمانية والعلمية والسياسية والاستنارة بتجاربهم الوجدانية/الإيمانية، الفكرية/العلمية، السياسية/النضالية.
-          احترام تقاليد الوسط الاجتماعية ومخاطبة الناس على قدر عقولهم.
-          الحرص على جمالية التدين ودماثة الخلق ومعاني الوطنية ونصرة المستضعفين والانحياز إلى المواطنين، والابتعاد ما أمكن عن دوائر المستبدين.
تبقى الحاجة إلى صناعة مناخ اجتماعي وثقافي يسمح بنمو المواهب الشابة التي تتقن تخصصاتها مع انفتاح واع على الميادين المعرفية الحيوية (التاريخ، الفلسفة، الاقتصاد، القانون، السياسة) من ألح الأولويات في وطننا. إن درس الكواكبي مهم لتدقيق ملامح النموذج/الموهبة المطلوب. إنه النموذج الذي يصنع مجدا حقيقيا يعود بالنفع على المجتمع وبالتبع على الفرد.

0 التعليقات

إرسال تعليق