| 0 التعليقات ]




نشرت الطبعة الفرنسية ل(شروط النهضة) عام 1948 حيث كان مالك بن نبي مستقرا في فرنسا التي لم يغادرها إلا عام 1956. ولم تصدر الطبعة العربية إلا عام 1960.
في الباب الأول (الحاضر والتاريخ) يستحضر الكاتب ذكريات عدة (ذكرى الأمير عبد القادر الجزائري، ذكرى الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي، صرخة جمال الدين الأفغاني الداعية المنبهة إلى ضرورة النهوض... إلخ). ويشدد النكير على الجهل ويعتبره وثنية لأنه لا يغرس أفكارا بل ينصب اصناما. ويذَكر بإحدى سنن الله في خلقه حيث أنه عندما تغرُب الفكرة يبزغ الصنم، والعكس صحيح أيضا (مثال: الجزائر ما إن سطع نور الفكرة الإصلاحية حتى تحطم معبد الوثنية والزاوية والخرافة والحروز).
يؤكد الكاتب أن النجاة من الاستعمار رهينة إزالة آثار القابلية للاستعمار، ومن ذلك؛ الانتقال إلى الانشغال بالواجب قبل المطالبة بالحق. فالحق ليس هدية تعطى ولا غنيمة تغتصب، وإنما هو نتيجة حتمية للقيام بالواجب، فهما متلازمان، والشعب لا ينشئ دستور حقوقه إلا إذا عدل وضعه الاجتماعي المرتبط بسلوكه النفسي. ويلح الكاتب على  أن هذه المسألة تستمد مصداقيتها من شرعة السماء: غَير نفسك تُغير التاريخ!
في الباب الثاني (المستقبل) ينخرط الكاتب في نقاش حول ميلاد الحضارة. يصف المشهد: "العالم الإسلامي يتعاطى (حبة) ضد الجهل، ويأخذ هناك (قرصا) ضد الاستعمار، وفي مكان قصي يتناول (عقارا) كي يشفى من الفقر؛ فهو يبني هنا مدرسة، ويطالب هنالك باستقلاله، وينشئ في بقعة قاصية مصنعا". وسرعان ما يخلص بعد الوصف إلى أنه حين نبحث حالة العالم الاسلامي عن كثب لن نجد حضارة.
ويتوقف الكاتب عند المقياس العام في عملية الحضارة؛ وهو أن: "الحضارة هي التي تلد منتجاتها". ويعتبر أنه من السخف والسخرية حتما أن يتم عكس هذه القاعدة بصنع حضارة من منتجاتها. ويتأسف على العالم الإسلامي الذي يهدف ويعمل منذ نصف قرن على جمع أكوام من منتجات الحضارة (=الأشياء)، أكثر مما يهدف إلى بناء الحضارة.
يعود الكاتب إلى معادلة بناء الحضارة ويُكثفها في حل المشكلات الثلاث: الإنسان، الوقت، والتراب، بالاستناد إلى حفاز قوي هو "الفكرة الدينية". وينتقد عملية تكديس المنتجات التي لا تكرس سوى الوعي الزائف الذي يعطل مسيرة البناء.
من المفيد الإشارة إلى أن النطاق الذي ندرس فيه المشاكل حاسم. ووفق منظور الكاتب، ينبغي دراسة مشاكل النهوض والحضارة في إطار الدورة الإسلامية وليس في إطار الدورة الزمنية الغربية. وفي هذا السياق، يقول الكاتب بأن المشكلة التي يدرسها في هذا الكتاب ليست من المشاكل التي تخص عالم 1948 ميلادية، بل من المشاكل التي تخص عالم 1367 هجرية.
يخلص الكاتب إلى أن دورة التطور الحضاري تبدأ بظهور فكرة دينية وتنتهي بتغلب جاذبية الأرض عليها، بعد أن تفقد الروح والعقل وتنطلق الغرائز ـ بالمقابل ـ من عقالها. هكذا يعتبر الكاتب أن دور الفكرة الدينية محوري في الدورة الحضارية؛ لأنها تشرط سلوك الإنسان حتى تجعله مؤهلا لإنجاز رسالة.
يؤكد الكاتب أن النشاط الاجتماعي لا يكون مثمرا وفعالا وقابلا للبقاء والاستمرار إلا مع وجود (سبب) معين يشرط الطاقات ويحركها، ولن يكون سوى (الفكرة الدينية). فالمجتمع لا يمكنه مجابهة الصعوبات التي يواجهه بها التاريخ، ما لم يكن على بصيرة جليلة من هدف وجوده.
ينطلق الكاتب من تحليل مفاده أن في القرن العشرين الفرد يؤثر في المجتمع: 1) بفكره. 2) بعمله. 3) بماله. ولهذا فالمطلوب هو: 1) توجيه الثقافة. 2) توجيه العمل. 3) توجيه رأس المال. إذن تتلخص مشكلة الإنسان، الذي يعد أحد ركائز معادلة الحضارة، في التوجيه الجيد هذه العوامل الثلاثة.
يلح الكاتب في صفحات كثيرة على تمييز مهم بين العلم والثقافة، باعتبار الأول نظرية في المعرفة وبوصف الثانية نظرية في السلوك.  

يبدو أن الكاتب يحمل رسالة واحدة: أخرجوا التخلف (=الاستعمار، تضييع الوقت، تبديد الطاقات ... إلخ) من نفوسكم؛ يخرج من أرضكم (=النهضة). أو بعبارة أخرى: أصلح نفسك، تصلح الدولة.



0 التعليقات

إرسال تعليق