| 0 التعليقات ]



يعد كتاب (وجهة العالم الإسلامي) أحد أبرز الإنتاجات التي اشتهر بها مالك بن نبي وحاز بها مكانة خاصة بين المفكرين المسلمين في القرن العشرين.
يتوزع الكتاب على ستة فصول: مجتمع ما بعد الموحدين؛ النهضة؛ فوضى العالم الإسلامي الحديث؛ فوضى العالم الغربي؛ الطرق الجديدة؛ بواكير العالم الإسلامي.
في الفصل الأول أوضح الكاتب الظاهرة الدورية التي تسري على كل حضارة مبينا أهميتها التي تتمثل في أنها تتيح لنا الوقوف على التقهقر والانحطاط، اي على قوى الجمود داخل الحضارة، إلى جانب شرائط النمو والتقدم. وفي نفس السياق، بين كيف أن عالم ما بعد الموحدين عاد به العرب إلى سيرتهم الأولى البدوية بعدما دارت عليهم دورة الحضارة لُترجعهم إلى نقطة البداية.
في الفصل الثاني (النهضة) ناقش الكاتب خلفيات الحركات التي تخلع على العالم الإسلامي صبغته الراهنة، وخلص إلى أنها صدرت من تيارين:
التيار الأول هو خط الإصلاح الذي ارتبط بالضمير المسلم. وترجع أصوله حسب الكاتب إلى "ابن تيمية" الذي لم يكن "عالما" كسائر الشيوخ، ولا متصوفا كالغزالي، ولكن كان مجاهدا يدعو إلى التجديد الروحي والاجتماعي في العالم الإسلامي. هذا التيار هو الذي أدى إلى تكوين امبراطورية الموحدين القوية في إفريقية الشمالية على يد "ابن تومرت"، وهو الذي سيؤدي إلى إنشاء دولة الوهابيين في الشرق على يد "محمد بن عبد الوهاب"، ثم يكتسحها محمد علي بإيعاز من الباب العالي وتأييد من الدول الغربية عام 1820، ومع ذلك  فقد بقيت روح الوهابية حية، حتى تمكن القائمون بها من الظهور مرة أخرى عام 1925 في صورة المملكة الوهابية الحديثة.
يشكل جمال الدين الأفغاني حسب الكاتب الضمير الذي يعكس هذا الخط بطريقة أخرى. كان هدفه الأول: أن يقوض دعائم نظم الحكم الموجودة آنذاك، كما يعيد بناء التنظيم السياسي في العالم الإسلامي على أساس "الأخوة الإسلامية" التي تمزقت في صفين، وبددتها النظم الاستعمارية نهائيا. وكان هدفه الثاني: أن يكافح "المذهب المادي" الذي كان يعتقد أنه كامن في تعاليم "أحمد خان" التي كان ينشرها في جامعة "عليكرة"، وأنه راجع إلى التأثير الخفي لأفكار الغرب.
دور "جمال الدين" لم يكن دور مفكر يتعمق المشكلات لينضج حلولها، لأن مزاجه الحاد لم يكن ليسمح له بذلك، لقد كان قبل كل شيء مجاهدا.
في نفس التيار يقف الشيخ محمد عبده الذي يؤمن بأن تحقُق الإصلاح رهين بانطلاقه من الاشتغال على "الفرد".  ويعتبر أن إصلاح "علم الكلام" بوضع فلسفة جديدة، هو الذي يُمَكن من تغيير النفس.
لا يتفق الكاتب مع الطرح القائل بأن منطلق كل إصلاح هو بناء "فلسفة جديدة" في "علم الكلام"؛ لأن "علم الكلام" لا يواجه مشكلة "الوظيفة الاجتماعية للدين" ويقول بأن الأنبياء لم يكونوا علماء كلام، ينطقون أفكارا مجردة، ولكنهم في الحقيقة كانوا مُجَمعين لتلك الطاقة الأخلاقية التي أوصلوها إلى نفوس فطرية.   
التيار الثاني هو "الحركة الحديثة" التي قامت بالشق الثاني من الدور المطلوب. فلئن تمكنت حركة الإصلاح من قطع الصلة بماضي ما بعد الموحدين، فإن الحركة الحديثة قد أحدثت اتصالا معينا بالفكر الغربي. لكن الكاتب يؤكد أن دعاة الحركة الحديثة انعدمت لديهم فكرة النهضة ذاتها. وكان هدفهم ليس تجديد العالم الإسلامي بل انتشاله من فوضاه السياسية الراهنة.
في الفصل الثالث (فوضى العالم الإسلامي الحديث) يدندن الكاتب حول فكرة محورية مفادها أن العالم الإسلامي في القرن العشرين بصدد انتقال تاريخي لهذا فهو يعيش بين جواذب التقليد ومغريات التحديث.
في الفصل الرابع (فوضى العالم الغربي) يقول الكاتب: "إذا ما أدرك العالم الاسلامي أن صدق الظواهر الأوروبية مسألة نسبية، فسيكون من السهل عليه أن يعرف أوجه النقص فيها، كما سيتعرف على عظمتها الحقيقية، وبهذا تصبح الصلات والمبادلات مع هذا العالم الغربي أعظم خصبا، بحيث تظفر الصفوة المسلمة بمنوال تنسج عليه فكرها ونشاطها".
 يشجب الكاتب في ذات الفصل النزوع المادي الكمي الذي يعكس فوضى العالم الغربي؛ حيث لم تعد مطامح الناس في أوروبا تسعى لإدراك "علة" الشيء، ولا "كيفية" حدوثه، وإنما هي متعلقة بالبحث عن "الكم".
 يعتبر الكاتب في الفصل الخامس (الطرق الجديدة) بأن توجه الشعب نحو الحديث عن مواهبه وموارده ونحو تثقيف طرائق تفكيره وطرائق عمله هو السبيل الممكن لجعله مُحصنا من السقوط في أحضان الاستعمار.
في هذا الفصل يتحدث الكاتب عن جماعة الإخوان، كما خصص فقرات لزعيمها حسن البنا قائلا: "لقد ظفرت الحركة بزعيم، لم يكن فيلسوفا، أو عالم كلام، فقد اكتفى بأن بعث في الناس إسلاما خلع عنه سدول التاريخ، وما كان له من نظرية يركن إليها سوى القرآن نفسه، ولكنه القرآن الذي يحرك الحياة".
ويختم الكاتب الفصل الخامس بإشادته بحركة الإخوان بوصفها محاولة من محاولات العالم الاسلامي للتخلص من فوضاه الراهنة.



0 التعليقات

إرسال تعليق