| 2 التعليقات ]




شكلت تدوينات الإعلامي نجيب شوقي حالة مثيرة للمتابعة. لا أخفي أنني وجدتُ فيها –كغيري- ما يطالب به أبناء الحركة الإسلامية -المنخرطون في العمل الإصلاحي التراكمي المتدرج- غيرهم. فغير مطلوب من الغير أن يبدل بذلته أو أن يُغير جلدته؛ إنما الأمر الوحيد الذي يُراد منه –ومن أي إنسان- هو التزام الإنصاف والموضوعية وعدم القفز على الحقائق الكائنة على الأرض وعدم التحليق في السماء وممارسة عمليات الإسقاط العمودي واستدعاء ممارسات تاريخية لمحاكمة أجيال غير مسؤولة عنها.
ما فعله شوقي هو تشغيل عقله والنظر بعمق إلى واقعه والقراءة المتأنية في تاريخ "خصومه" –كما كتبوه هم وكما كتبه غيرهم-؛ ولهذا خرج بخلاصات لا تهم تفاصيلها ولا جزئياتها، بقدر ما يلفت النظر منطقها وروحها.
إن المنطق الجديد الذي فاجأ به شوقي عائلته الفكرية في "الفايسبوك" هو ذات المنطق الذي يفاجئ به أحيانا بعض أبناء الحركة الإسلامية إخوانهم حينما يقرأون تاريخ اليسار وألوانه –كما كتبه أبناؤه- وحينما يقتربون من المقاصد الإنسانية النبيلة للأقلام –غير المنحدرة من الحركة الإسلامية- النازعة نحو القراءة العقلانية للتراث والدفاع عن روح الحداثة والاستماتة الفكرية من أجل الحرية وتقليم أظافر الوجه التقليدي الديني للسلطة.
إن أكبر مصيبة ابتلينا بها –بعد الإيديولوجيا العمياء- هي الجهل. فكل من يفكر خارج سرب قبيلته ويحاول التماس العذر لمخالفيهم وإيجاد نقط التماس مع من يُصنفون ضمن خانة "الغير"؛ كل من كان كذلك فهو محظوظ من ناحية الدراية المعمقة  بتاريخ "غيره" والمعرفة الحقيقية بفكره ومقاصده. وإذا كان الأستاذ محمد عابد الجابري –مثلا- من هؤلاء فلأنه  قرأ إرهاصات ميلاد الحركة الإسلامية وفهم –انطلاقا من التفسير الجدلي للتاريخ- أنها إفراز طبيعي للتاريخ وللزمن الثقافي المغربي، وعبر عن مواقف مشرفة ومعتدلة ومنصفة منذ سنة 1983 عبر بحث شارك به في تونس.
والعكس صحيح.
وليست تدوينات شوقي فحسب هي المثيرة، وإنما الإثارة تمتد إلى مضامين الردود عليها من طرف عائلته الفكرية. لم يغفر لشوقي أنه باق على عقيدته أو أنه ملتزم بتيار الوفاء للديمقراطية. وإنما استحال مغتربا بين أقاربه، لا لشيء إلا لأنه كان موضوعيا وقال مقاله بعدما استنطق حال الأوضاع في وطنه ورأى الحركات الاجتماعية المؤهلة لدفع عجلة الانتقال الديمقراطي المتباطئة والتي تعرضت للعرقلة مرات ومرات منذ الاستقلال.
لم يفت كثير من أقارب "شوقي" أن يعبروا عن مرويات –يكررها اليسار عموما- والتي مفادها أن قوى الظلام لو أتيحت لها الفرصة لعملت في المغرب عمل "داعش" في العراق والشام ! لم يفتهم أن ذكروا بأن قوى الظلام –والمقصود بالنعت خط العدالة والتنمية- هم من أدخل العنف إلى الجامعة وهم وحدهم أهل العنف والإرهاب وأنهم أمراء الدم دون غيرهم.. لم يفتهم أن يلتقطوا أي حادث وأي كلام دون تبيُن ودون تثبت ودون استبصار.
شوقي يجيب وهو واثق من منطقه الجديد –على الأقل إلى حدود هذه اللحظة-؛ ينصح تارة زملاءه بقراءة كتابات الدكتور سعد الدين العثماني والدكتور أحمد الريسوني ليفهموا مواقف "قوى الظلام" من الحرية والديمقراطية والفن.. وتارة أخرى يُذكرهم بأنه مناضل عرف ساحات النضال وعارك فيها وعركته؛ كان في الجامعة لخمس سنوات فعرف أن عائلته اليسارية القديمة كانت متورطة في أحداث عنف، كما أن أبناء الحركة الإسلامية غير بريئين منه ! وكان في طليعة الحركة الشبابية الفبرايرية، فعرف أنها حلم جميل لكنه بدون جذور ولا تأسيس (معرفي) متين !
شوقي يقول لهم بين الحين والحين الخلاصة المركزية التي خرج بها من متابعة ردودهم وملاحقتهم لتفاصيل هامشية يدركون في قرارة أنفسهم أنها بدون معنى (مثلا، إتدوينة عمر الصنهاجي غير الموفقة)؛ إنهم بهذا مثار شفقة لأنهم فقدوا القضية وباتوا أضحوكة وبتعبير آخر لم يترك لهم الصراع السياسي مع "البيجيدي" -على المواقع- فرصة للتفكير في تطورات "البيجيدي" وبنيته الفكرية وعمقه الاجتماعي. 
لكن رغم ذلك، لا ينصتون ! ويبقى الفرد الذي لم يعتمل في داخله القلق الفكري ولا فكر يوما أن رأيه يحتمل نسبة من الخطأ يُراوح مواقفه الجامدة. لكن عموما عدم التفكير في إيجاد نوافذ لتنفس هواء تحليل جديد أو فكر منير قد يكون مقبولا.
أما الإتيان بكلام من قبيل (الديكتاتورية أهون من بنكيران)، كما قال أحد المعلقين على إحدى تدوينات شوقي، فلعمري، فإنه سلوك غير قابل للتوصيف..
إنه الاستعداد للتحالف مع الشيطان ضد بنكيران، وذلك أمر يقف عند حدوده العقل ويسقط القلم !
هكذا، فالإيديولوجيا إذا اقترنت بالجهل لن تفرز سوى كارثة جاحظة العينين !  أما تخفيف حدة الإيديولوجيا فذاك أمر عسير لأنه رهين بتغيُر الوسط والمحيط وتنويع المقروء وتوسيع دائرة المعارف والمطالعات. ولكن المعرفة لا تُكلف الإنسان  كثيرا؛ أن يجلس المرء ليسبر أغوار التاريخ علاوة على فهمه على ضوء قراءة علمية تستحضر سننه والجدل الذي يستبطنه، أمر لا مندوحة عنه لفهم الواقع المعيش.
كنت عازما على إعداد نقط لتُشكل أرضية في موضوع (المشكلة الثقافية في أوطاننا)، كلفني به الإخوة قصد عرضه في المخيم الصيفي. ووجدتُ ردود الأفعال المُعبر عنها من طرف عائلة منحازة –كما كنت أتصور- لقيم التسامح والاختلاف والحوار والنسبية والنقد والنقد الذاتي- على تدوينات قريبهم؛ أرضية خصبة صالحة للانطلاق منها لفهم طبيعة مشكلة الثقافة في وطني.
لكن.. هذا جانب فقط من مشكلة الثقافة. والجانب الآخر يتعلق بأزمة العقل المسلم (أي أزمة مرآته ونُخبه: الحركة الإسلامية وخطوطها)، كان الدكتور المتميز الطيب بوعزة قد أشار إلى –بعض عناصرها- في كتابه البكر (مشكلة الثقافة في الوطن الإسلامي) المنشور سنة 1991، ومازالت امتداداتها مستمرة إلى اليوم.



2 التعليقات

غير معرف يقول... @ 4 أغسطس 2016 في 7:06 م

حرب التتار -ملوك حرب التتار
http://mtatar.com/ts4/register.php?ref=6

غير معرف يقول... @ 5 أغسطس 2016 في 11:27 ص

حرب التتار -ملوك حرب التتار
http://mtatar.com/ts4/register.php?ref=54

إرسال تعليق