| 0 التعليقات ]





في سنوات السلك الثانوي، كنت أعيش قلق التلاميذ و قلبي هناك مع الطلبة في الجامعة. لذلك لا تفوتني عطلة دون زيارة أجواء الطلاب خاصة في أكادير. كنت أرنو بشكل متحمس إلى ذلك اليوم الذي أكون فيه طالبا و ألتحق بركب التجديد الطلابي. و الأمر الذي كان ينغص عليَ معيشتي ويشوش على حلمي هو كوني منتسبا إلى شعبة العلوم الرياضية التقنية؛ شعبة لم تكن لتُخيرني في شأن مستقبلي، فقد كانت وجهتها إلى تأهيل "المهندسين" صارمة. لذلك كنت طيلة الثانوي أحاول أن أعَوض ما سأفتقده في الأقسام التحضيرية أو معاهد المهندسين. كنت أحاول أن أعيش "الجامعة" في "الثانوية". و ما شجعني على المُضي في ذلك مطالعات يسيرة عن أجيال من التلاميذ المغاربة كانوا يعيشون جو النقاش و التفاكر في فضاءات الثانوية. و إن كنت أنسى لحظات جميلة قضيتها بهوية "تلميذ"، فلن أنسى الأيام الأخيرة التي هددني فيها المدير (حسب كلامه، فالتهديدات جاءت من السلطة المحلية) و ترجاني –بلغته- في والديَ أن أُوقف نقاشا بسيطا و دردشة متواضعة مع التلاميذ في وقت الاستراحة، قائلا: يا بني، دع النقاش.. إلى الجامعة.
كان من مفاجآت الأقدار أن حقق المولى جل و علا الحلم الكبير و جئت إلى الجامعة بعد حنين سنين و سنين. لكن، مع الأسف الشديد لم يكتمل الحلم بل اصطدم بصخرة الواقع الأليم و استحال سرابا لا يسُر الناظين. إذ وصلتُ إلى الجامعة وهي بالكاد منسلخة من أدوارها الاجتماعية و الثقافية والاحتجاجية ناهيك عن العلمية. وصلتُ إلى جامعة العاصمة فوجدتها صحراء قاحلة. وصلتُ إلى الجامعة و لست مبالغا إن قلت إن التجارة السائدة فيها هي تجارة "الغش" في الامتحانات. وصلت إلى الجامعة بعد طول أمل وعناء فإذا بي أمضي كل وقتي خارجها. وصلتُ إلى الجامعة لأعيش فترة القلق و الأرق و النقد و التساؤل و النقاش في كل لحظة لحظة، فإذا بي أجد نفسي بحاجة إلى البحث عن ملاذ آخر لأحلامي خارج الجامعة (مراكز الأبحاث ومؤسسات ثقافية و علمية أخرى..).
لكن انتمائي لركب اسمه التجديد الطلابي مازال يثير بصيص أمل في نفسي (لا بد من تسجيل تقديرينا الكبير للحركة الثقافية الأمازيغية: لكن للأسف فهي غائبة في جامعة محمد الخامس بالرباط على الرغم من كون أغلب مؤسسي الحركة الأمازيغية المعاصرة انطلقوا من هذه الجامعة في أواخر ستينيات القرن الماضي: الصافي مومن علي، علي صدقي أزايكو، بوكوس..).
و التجديد الطلابي التي في خاطري، هي التي نقول في إطاراتها و لا نجد غضاضة في ذلك و لا أحد يمنعنا و هذا من سعة أفقنا: إن الشهيد عمر بنجلون شهيد الشعب المغربي (رغم أن عمر لو طال به العمر يمكن أن يحسبنا ضمن الصف الرجعي و يمكن أن يسلك مسلك زميله المناضل الوطني الكبير محمد اليازغي الذي انسحقت نضاليته و وطنيته في لحظة المطالبة بحل الحزب سنة 2003). إن الشهيد عمر مفخرة حقا و صدقا لنا كمغاربة و ينبغي للشباب و الطلاب المغاربة أن يتخذوه منارة ضمن القدوات المشرقة: فهو في أقل من 24 سنة من عمره القصير كان رئيسا لجمعية الطلبة المسلمين بشمال إفريقيا و كان متفوقا في تخصصَيه (المدرسة العليا للبريد، و القانون العام). و ذاق الأمرين لكي يوفر مستلزمات دراسته حين كان تلميذا، بائعا للبيض المسلوق في القطار.. وكان مناهضا للظلم و الظالمين، على المستوى المحلي (المغرب) و على المستوى الإقليمي (العدو الصهيوني) و على المستوى الدولي (الامبريالية و الاستعمار الجديد).
التجديد الطلابي التي في خاطري، لا نخاف في مقراتها أن نصدح بما يعن لنا من  ملاحظات حول أفكار يابسة. هي التي ندافع في فضاءات انشطتها عن الغائبين الذين يستحقون إنصافا. هي التي نقول في محضنها إن الأستاذ ابراهيم أخياط علم من أعلامنا وكبير من أكابرنا و فاضل من فضلاء وطننا. هي التي نقول فيها باطمئنان إن أحمد عصيد مثقف من مثقفينا قد يحيف، نعم، ويتحامل علينا.. لكن خطابه مهم لتحديث نظامنا و ذهنية مواطنينا. هي التي لا نهاب أن نقول في إطاراتها إن نظرتنا إلى الغرب في حاجة إلى مراجعة و تصويب دون أن نُتَهم بعمالة أو تمييع.
إن التجديد الطلابي التي في خاطري، انعكاس لإرادة التفاؤل و عنوان الصمود وسط الإعصار. إنها وسيلة لكي لا ننسى أننا كائنات عمودية موصولة بالسماء و منفوخة بروح رب الأرباب. و إطار كذلك لإثارة أسئلة العمران و التعايش بين بني الإنسان.



0 التعليقات

إرسال تعليق