| 0 التعليقات ]





بوح لا بد منه. لا أدري لماذا هذا الوقت بالذات. لكنه إحساس يغشاني دائما. يا سادة !مدرستنا عظيمة. وعظمة مدرستنا و تميزها لا أنسبه، لما قد يعنُ لبعض الأفاضل من تميز في انتهاج منهج "وسطي" أخرج البلاد من الانسداد. كلا! فرادة مدرستنا ترجع إلى كونها كانت المحضن الأول –ومازالت- لمجموعة مُقدرة من الفاعلين؛ هي التي تساهم بقدر هام وجليل في تحريك المشهد المغربي الفسيح. دعونا من السياسة فمساهمة خريجي مدرستنا فيها لا يخفى حتى على الأطفال في الشارع. فالمقصود هنا –بالتأكيد- المشهد الثقافي والفكري والإعلامي والعلمي.
لا يهمُني أن يكون هؤلاء الفاعلون من الباقين أو المغادرين لقطار المدرسة. نعم، قد يكون بعضهم منتسبا حاليا إلى جوقة المتحاملين والحاقدين. لكنه، على أية حال، موقف أخلاقي والإنسان حر في نهاية المطاف. رغم أني، أُرجح كون التحامل والبغضاء أمر راجع غالبا لسلوكات غير أخلاقية أيضا نابعة من أبناء المدرسة الذين يتزيدون في الحرص عليها والغيرة على مشروعها ويتوسلون إلى ذلك حدة في الخطاب.
نعم، إني أعتز حقا إن مدرستنا كانت يوما محضنا للدكتور عبد الرحيم العلام على سبيل المثال. واضح أن الرجل له مواقف مغايرة تماما لخط مدرستنا في المسألة السياسية و النظام السياسي بالأساس، والتي قد لا أتفق معها بدوري إجمالا لكني أسجل تعاطفا مع بعض جوانبها. لكن هذا لا ينفي أنه باحث شاب مقتدر و متمكن وواعد في الفكر السياسي والعلوم السياسية وحالة خاصة في العطاء غزا المنابر الإعلامية في زمن قياسي وآراءه بات يتلقفها الشباب الذي يشترك معه في الموقف من النظام السياسي. إن آراءه وأطاريحه، وهذا هو بيت القصيد، غنية ومطلوبة والحاجة إليها قوية. لأن التاريخ لا يمكن أن يسير بل سيركد إذا قاده فقط و بارتياح أصحاب أطروحة المحافظة السياسية (أي المهادنة المطلقة مع النظام). لأنه لا مفر لنا من الملكية البرلمانية في يوم من الأيام.
إن المتتبع المدرك لمراكز الأبحاث والدراسات السائدة في الوطن، لا شك أنه لن يخطئ كون جل القائمين عليها و المشتغلين في إطارها من الذين خرجوا من رحم مدرستنا. إنه لأمر يبعث على السرور بالنسبة للمنتسب الواسع الأفق الغيور على هذا الوطن المحبوب. أؤمن دائما أن الهام هو أن يكون الإنسان صادقا (أقصد الصدق في تحري الصواب: و هذا أمر لا يدريه إلا ربنا جل في عليائه) وجادا في بحثه. وليقل ما يشاء، لأن الله حسيبي و حسيبه (على ما لا نعلمه). . إن الدكتور مصطفى بوهندي –على سبيل المثال كذلك- الذي اثارت آراؤه عجيجا وضجيجا (لم يتيسر لي أن أقرأ له إلا كتاب "نحن و القرآن") إن بوهندي؛ فخر لمدرستنا أنها كانت  مأوى أسئلته الأولى. والحركة الثقافية والعلمية، مرة أخرى، لن تتحرك في بلدنا إلا بوجود بوهندي ونقيضه؛ وربما لنا الشرف أن نُخرجهما معا: ونحن حركة اجتماعية دورنا في هذا البعد هو تحريك المشهد وإدارة عجلة التاريخ. وأعجبُ للذي يضيق حنقا بوجود بوهندي ومن على شاكلته (رغم أني لا أشايعهم): إن وجود بوهندي هو الذي خلق لك وجودا قوامه "التصدي لتشغيباته"!
جريدة مدرستنا (التجديد) أسهمت في تخريج كوكبة من الإعلاميين المتميزين (عليموسى، الكنبوري، حمودي،...) انتقلوا إلى الصحف الوطنية الكبرى (المساء، أخبار اليوم..). إنه لأمر يبعث على الاعتزاز بمدرستنا أيضا.
كبار المتصدين للشأن العلمي في بلدنا مروا من مدرستنا. قادة الرابطة المحمدية للعلماء (أحمد العبادي، عبد السلام الطويل..). رئيس جامعة القرويين ( الدكتور الروكي). المجلس العلمي الأعلى (المرحوم فريد الأنصاري، الدكتور مصطفى بنحمزة..). الشيخ الزمزمي و الشيخ عبد الله نهاري؛ جميعا يساهمون في قلقلة أركان الخطاب الديني في بلدنا. لا يُهمني هنا التوقف على موقفي من آرائهم ومفارقاتها بقدر ما يؤرقني تقريب فكرة "كوننا مدرسة استثنائية" أبناء مدرستنا هم الذين يحركون الرأي العام الديني أيضا.
كثيرون هم أبناء مدرستنا (سواء الأوفياء أو العاقين: ربما كانوا ضحية لسلوك غير أخلاقي-إشكال نفسي أو اختاروا  الانسحاب. والإنسان حر في قناعاته يا سادة. المرفوض هو التحامل المجاني) الذين يسجلون حضورا نوعيا في النخبة المؤثرة في بعد من أبعاد المشهد المغربي الراهن. منهم  كوكبة منيرة من أبناء الجنوب؛ و أعتز في هذا السياق أن من بين أنجب عناصرهم أبناء مدينتي تيزنيت.
في المسألة الفكرية والعلمية أنجبت مدرستنا أنجب التلاميذ بل قل الأساتيذ. أن يكون الأفاضل امحمد جبرون والطيب بوعزة ورشيد الراضي ومحمد همام.. ضمن قطارنا فهذا أمر حميد. و قد نختلف معهم وهو حق أكيد.
في هذه العُجالة التي جاءت بعد انفعال نفسي مع الأم (=مدرستنا). لم أقصد أن أذكُر مواليد مدرستنا الذين مازالوا يشتغلون تحت يافطتها ولهم آثار طيبة في أوساط المجتمع و هم فضلاء كُثر (وعلى رأسهم: الدكتور سعد الدين العثماني، الأستاذ عبد الإله بنكيران، الدكتور أحمد الريسوني، الأستاذ المقرئ الإدريسي أبو زيد)، وقد يأتي يوم نزور فيه تقديرنا لهم وما يبدو لنا في آرائهم. وإنما قصدي التعريج على بعض من لم يُشتهر في أوساط القواعد أنه كان هنا. وهذه الفئة شقت طريقا متميزا في المشهد المغربي في ناحية من نواحيه، حق لنا أن نفتخر بها مهما اختلفنا معها إن كنا واسعي الأفق ومن أهل رحابة الصدر.
إن الحركات الاجتماعية المتغلغلة في الشعب ليس غريبا ولا عجبا أن تكون مأوى بل دافعا –و لو بشكل غير مباشر- لتشكُل النخب و الصفوة القائدة للمشهد الوطني.  وعظمة حركتنا الرائدة (التوحيد والإصلاح) تتجلى في أنها كانت مدرسة خرجت قادة الشعب المغربي، على أني أسجل في هذا الصدد أننا مازلنا في المرحلة الموالية للبداية يعني مازلنا نتحمل شرف ومسؤولية إيواء النخب وتخريجها (خاصة في المجال الفكري و الفني الذي أصبنا فيه بشبه تعقيم فيما مضى وبدأنا نتعافى منه).  
إن المدرسة التي تستدعيها ذاكرتي دوما حين أذكر مدرستنا هي المدرسة الاتحادية التي لا تُقدر أفضالها على الشعب المغربي بثمن. إن المدرسة الاتحادية مدرسة الشهداء (المهدي، عمر..) والعمالقة (الجابري، العروي..)  هي التي تغزو منتوجات خريجها الأسواق الثقافية المغربية. إنها ذات المدرسة التي قبضت على جمر "الإصلاحية" في زمن العنفوان الثوري في 1975 و لولاها بصدق لعشنا تاريخا آخر: و دائما أقدر أن مدرستنا تنحو نفس منحى المدرسة الاتحادية؛ تقبض على جمر الخط "الثالث"، تقديرا لمصلحة الوطن (وهو مجرد اجتهاد سياسي قابل لأخذ والرد)، في زمن الحماس الثوري مع 2011. غير أن مدرستنا مازالت بحاجة إلى اختراق السوق الثقافي (وهناك مبشرات تعكسها أجيال شابة أغلبها خريجة العمل الطلابي لكنها مازالت محدودة بالنظر إلى المطلوب، أما بالمقارنة مع ما سبق فهي قفزة بلا شك) لتكون الوريثة بحق للمدرسة الاتحادية في انتظار وليد جديد ومدرسة أخرى. وهنا أُسجل أن الحركة الأمازيغية بدورها مدرسة ومازالت ببريقها ساهمت أيضا في تخريج  قادة في المشهد المغربي الراهن (على سبيل المثال؛ الأستاذ أحمد عصيد استقطب في نشاط ثقافي سنة 1982 وسنه 22 سنة: لا ريب أننا نختلف معه وقد نتفق معه في كثير من القضايا لكنه يبقى مساهما من المساهمين في صياغة المشهد المغربي المعاصر: نريد مغربا للجميع ولا يمكن إلا أن يكون كذلك وإلا سيتوقف التاريخ).
باختصار؛ إن المدارس الكبيرة من الحركات الاجتماعية هي التي تُخرج نُخب حقيقية. ومدرستنا (التوحيد والإصلاح، وما يدور في فلكها) مدرسة استثنائية معطاءة. علينا أن نتخفف من أثقال التاريخ المثخن بانفعالات نفسية لا غير، لنعتز بأبنائنا (على عقوق بعضهم لنا: لعله خير). والفكرة الجوهرية التي ينبغي أن يلتقطها الذي من مازال يقبل -على مضض- بالآخر المُختلف مفادها أن وجود المُختلف: العلام، بوهندي، عصيد.. هو سبب وجودي، وإذا انتفى هؤلاء و انعدم بعض المختلفين الآخرين، فما مبرر وجودي وما مصيري سوى التهلكة ! إن التاريخ يعلمنا درسا بليغا: إنه يسير بفعل التفاعل بين المختلفين و"المتصارعين" و إلا فالحياة ستقف وستصير بدون معنى. فالمختلف معي يُسدي لي خدمة جليلة في الحقيقة. والله يتولى السرائر وهو حسيبنا نسأله الفردوس الأعلى  لنا جميعا.





0 التعليقات

إرسال تعليق