| 3 التعليقات ]



ما إن قوَّضت الثورات الديمقراطية خيامها في عدد من البلدان ، حتى صار حديث الساسة لا يفارق جملة '' إرساء النظام الديمقراطي و ترسيخه .. '' ، حتى دعاة الإسلام و خصوصا الفاعلين السياسيين منهم ، ما خلت رسائلهم و خطاباتهم من كلمة '' الديمقراطية '' ، بل صارت تحتل محل الصدارة متقدمة على كلمات مألوفة في الخطاب الإسلامي مثل القيم و الأخلاق و المبادئ و الدين .. تُرى كيف أمكن لهذه الكلمة الساحرة أن تُحدث كل هذه الرَّجة في المفاهيم المتداولة ؟ هل صحيح أن غائية الثورات هي الديمقراطية ؟
لوضع مقاربة شاملة للأسئلة المطروحة ، لا بد من التعريف بهذه الكلمة '' اللامعة '' ، لا بد من غوص في أعماق بحر هذا المفهوم . فكما هو معلوم فإن ترجع لفظة '' الديمقراطية ''  ترجع من حيث الاشتقاق ، إلى اللفظتين اليونانيتين؛ ديمو تعني الشعب ، و كراتين تعني الحكم . و تدل على نظام سياسي ، يرى أن السيادة تنبثق من مجموع مواطني بلد ما ، و من إرادتهم الحرة . لكن مفهوم الديمقراطية ، لم يتوقف عند هذا الحد ، بل تم تطوير المفهوم في كل من الغرب و الرقعة الإسلامية. غير أن المتفق عليه ، هو سيادة الشعب من خلال التعبير عن إرادته الحرة في الانتخابات ، بمعنى أن الشعب هو الأصل . و فلسفة الديمقراطية في الغرب تقوم على أن ممثلي الشعب يشرعون تبعا لإرادة الجماهير دون الاستناد لأي مرجعية عليا ، و بتعبير الدكتور أحمد الريسوني ، فإن مرجعية الديمقراطية في الغرب هي الديمقراطية نفسها. أما في العالم الإسلامي فهذه المنهجية السياسية ، أثارت زوابع و توابع لم تخف و طأتها إلا في السنوات القليلة الماضية ، منذ ما يقارب من قرنين ، كتب الشيخ عبد السلام ياسين في كتابه القيم '' حوار مع الفضلاء الديمقراطيين '' :( كلمة الديمقراطية تعني حكم الشعب و اختيار الشعب و الاحتكام إلى الشعب. و هذا أمر ندعو إليه و لا نرضى بغيره ، على يقين نحن من أن الشعب المسلم العميق الإسلام لن يختار إلا الحكم بما أنزل الله ، وهو الحكم الإسلامي ..) . كما أن الشيخ راشد الغنوشي كان له قصب السبق في القبول بالديمقراطية ، حيث يقول في كتابه '' مقاربات في العَلمانية و المجتمع المدني '' : ( ... و هنا يكون اللقاء بين الإسلام و الديموقراطية ، و هو لقاء قديم تم دون حاجة إلى إجراء ات. و تأتي الإجراء ات التي طورها الغرب ، مكسبا عظيما ينقل الشورى من كونها مبدأ و قيمة ، إلى كونها نظاما منضبطا للتعبير عن إرادة الأمة و قوامتها على حكامها .. ) . أما الدكتور أحمد الريسوني فقد  عالج الإشكالات المرتبطة بتطبيق الديمقراطية ،  بعقلية الفقيه و منهجية الأصولي و خلفية المقاصدي ، في كتابه '' الأمة هي الأصل '' ، مبينا في ما يخص ؛ حكم الشعب نفسه بنفسه و الحكم بالأغلبية و قاعدة فصل السلط ، الأصول التاريخية لها في الإسلام منذ عهد الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم .
لا يختلف اثنان ، في أن الديمقراطية أحدثت رجة في العوالم السياسية في العصر الحالي  ، فلا تقترن استقامة و عدالة نظام سياسي معين إلا بمدى تشبته بالديمقراطية و التزامه بها . و قد فتنت هذه الكلمة الجماهير المثقفة في العالم بأسره ، و خصوصا عندما صارت رديفة الحريات السياسية و حرية الرأي و التعبير . لكن مخطئ ، في نظري ، من يعتقد أن غائية الثورات التي هبت في بعض الدول الإسلامية هي الديمقراطية ؛ لأن الشعوب عندما خرجت البداية ، كان مطلبها هو العدالة الاجتماعية ، بعد أن ضاقت عليها الأرض بما رحبت جراء تفشي البطالة و الفقر .. و بالتالي ، فإن الشعوب رغبتها تتمثل في العيش الكريم و الرخاء الاجتماعي و تكافؤ الفرص أمام المصالح ، كل هذا في ظل الكرامة و الحرية . فالإنسان ، و لو كان يعيش في رغد من العيش بحرية مأسورة و كرامة مدسوسة ، لا ريب و أنه سيمل الحياة الموبوءة باليأس و المهانة .


و بالتالي ، لم تجد الشعوب غير الديمقراطية مركبا إلى شاطئ ضمانات العيش الكريم ، بعد أن أوصل الاستبداد اللائكي البلد إلى طريق مسدود . لكن ، يمكن لهذه الديمقراطية أن تكون مزورة ، خصوصا إذا سارت إلى التغريب ، فالتحديث و الديكتاتورية قرينان ، كما يقول الشيخ راشد الغنوشي . بالإضافة إلى أن ما يثوي درة الغرب الفريدة ، حسب الدكتور حسن أوريد ، هو المال .

3 التعليقات

laila el hanafi يقول... @ 12 فبراير 2012 في 1:44 م

اولا لابد ان احييك اخي على ترابط الافكار و على ثقلها و عمقها , مقال متميز تنساب فيه المعلومات بشكل سلس سليم ..الله يسر ليك
لدي ملاحظة حول ان الشعوب العربية خرجت من اجل مطالب اجتماعية,و ان الثورات العربية ثورات خبزية اجتماعية. لا اتفق هنا لان نموذج تونس بعيد عن هذا حيث ان تونس دولة اقتصاديh مرتاحة نسبيا و سكانها من الطبقة على الاقل المتوسطة. بالتالي سؤال المطلبالاجتماعي لم يكن حاضر
من جهة اخرى لا تنسى اخي ان الثورات العربية لم تكن فجائية -ذات صباح استيقظ الشعب و هتف : الشعب يريد اسقاط النظام - بكل عفوية و تلقائية . ابدا ابدا فالثورات العربية ثمرة تعبئة شاملة مبكرة قادتها التنظيمات المتضررة من (الحزب الوحيد) و من القمع و الاستبداد - نموذج الاخوان- الانظمة التواقة للحرية و الانعتاق و الديموقراطية و العدل اكثر من اي شيئ اخر
تحياتي

أيوب بوغضن يقول... @ 12 فبراير 2012 في 2:41 م

بسم الله الرحمان الرحيم
لا الثورات في البداية كان مطلبها الاجتماعي و عندما علم الناس ان سباب المشاكل الاجتماعية هو الاستبداد السياسي و سوء التوزيع العادل للثروات ثاروا ضد الانظمة لهدف الحرية و الكرامة و العدالة الالجتماعية ..
تحياتي .. شكرا على مرورك .

غير معرف يقول... @ 27 فبراير 2012 في 4:39 ص

ثقافة الهزيمة ..عصابة البقرة الضاحكة 6‏

و فى حوار مع القيادى الأخوانى إبراهيم صلاح المقيم فى سويسرا منذ عام 1957 و نشرته جريدة المصرى اليوم فى 23 إبريل 2011 جاء فيه:
وما صحة ما نشرته بعض المواقع من أخبار عن رفض سويسرا عرضاً مصرياً لشراء بنادق قناصة وقت الثورة؟
- حدث بالفعل وحكاها لى أحد رجال المخابرات السويسريين فى حضور عدد من الشخصيات العامة، وقال أنه بعد أندلاع الثورة بيومين تقدم السفير المصرى فى سويسرا مجدى شعراوى، وهو صديق مقرب من «مبارك»، بطلب للحكومة السويسرية لشراء عدة آلاف من بنادق القناصة سويسرية الصنع بها تليسكوب يقرب لمسافة 1000 - 1500 متر، وجهاز يحدد المنطقة المطلوب أصابتها، وجهاز رؤية ليلية ويتم التصويب بدقة الليزر، وذخيرة مخصوصة وهى لا تُحمل باليد، ولكن لابد من تثبيتها على قاعدة ويُقدر سعر البندقية الواحدة بنحو 4000 دولار،ولكن الحكومة السويسرية رفضت الطلب.

الحكومة السويسرية أدركت كيف سيتم أستخدام تلك البنادق، وبالتالى رفضت أن يكون لها أى دور فى تلك العملية… لقراءة باقى المقال بالرابط التالى

www.ouregypt.us


لماذا لم يتم للأن أعدام فرد واحد بتهمة قتل ثوار 25 يناير برغم مرور عام على الثورة؟!

إرسال تعليق