| 0 التعليقات ]






مما لاشك فيه أن حلول ذكرى ( محطة تارخية معينة ) تكون مدعاة  للتوقف و التأمل في ما تحويه الذاكرة من سامق الأحداث و فرصة لتقدير التاريخ النابض المُشكل لحاضرنا  المُعاش و محطة لاستخلاص العبر والقيام بنقد بناء  لما سلف من الأفكار . و إذ تحل اليوم الذكرى السابعة و الأربعين لاستشهاد الأستاذ سيد قطب، أكتب هذه الكلمات عرفانا بالدور الجلي الرائد الذي قامت به كتاباته في مرحلة من المراحل في استنهاض همم الشباب المسلم  نحو قضية الدعوة و الإسلام بل كانت – حسب وقائع و تحليلات – من الأسباب الأولى في بزوغ شمس الصحوة الإسلامية مطلع السبعينيات في أرجاء العالم الإسلامي(1). كما أكتبها تنويها  بما أضافته مدرسة " آل قطب" – الذي يعد الشهيد سيد مؤسسها و أخوه محمد رائدها -  للفكر الإسلامي المعاصر من تناول جديد للتصور الإسلامي للكون و الحياة و الإنسان ( سيد أَصل لهذه القضايا في كتبه : " خصائص التصور الإسلامي" ، " مقومات التصور الإسلامي " ، " في ظلال القرآن " . و محمد فصل و أضاف في كتبه : " الإنسان بين المادية و الإسلام"، " التطور و الثبات في الحياة البشرية" ، " مفاهيم ينبغي أن تصحح " ... ) علاوة على بيانها لطبيعة المعركة في هذه الحياة و أنها بين من ينتصر لحيوانية الإنسان و سلبيته و بين من يريد إنسانا حرا كريما خليفة لله عز و جل في الأرض(2). أكتب أخيرا هذه السطور إيفاءا للشهيد بعضا من حقه بعدما نالته سهام الحيف من إخوانه قبل خصومه . و تعريفا به للأجيال الصاعدة في الحركة الإسلامية.
أولا/ مسار حياة :

·         ولد سيد في قرية من قرى صعيد مصر التابعة لمحافظة أسيوط ( 1324ه/ 1906م )  لأسرة مستورة الحال ماديا و وطنية الانتماء سياسيا ( انتساب والده للحزب الوطني و اشتراكه في جريدته الرسمية )، و لأب كريم الإنفاق، له أراض واسعة نسبيا له بها فلاحون بالأجرة غير أن نفقاته لم تكن تتناسب مع مردود أرضه ، فلا يزال يبيع منها شيئا بعد شيء للوفاء بالديون ( لكثرة إنفاقه ) حتى كانت والدته تخشى أن تنفذ أرضهم المتناقصة باستمرار و ترجو أن يقوم ولدها سيد في المستقبل – حين تفتح له الدنيا أبوابها – بشراء هذه الأجزاء من الأرض التي يبيعها أبوه ...
·         و في السادسة  من عمره سارع والده إلى إدخاله إلى المدرسة الأولية بالقرية التي كانت في بداية عهدها، فأظهر تفوقا في دروسه، و بقي فيها أربع سنوات، حفظ خلالها القرآن الكريم و أتمه في العاشرة من عمره.
·         كان يحب المطالعة مذ كان في القرية، يقرأ كل ما تصل إليه يديه. و لذلك ألف مبكرا ( و عمره 25 سنة ) كتاب " مهمة الشاعر في الحياة".
·         في سنة ( 1921 ) انتقل إلى القاهرة ليتم دراسته الثانوية في رعاية خاله ..و بعد حصوله على شهادة "الكفاءة" اشتغل مدرسا بالمدارس الأولية، و واصل دراسته في " تجهيزية دار العلوم " ثم التحق بمدرسة "دار العلوم العليا" ، و تخرج منها سنة ( 1933) ..
·         انتقل إلى التدريس الابتدائي بدمياط ..فبني سويف..فحلوان .. و في سنة ( 1944 ) أصبح مفتشا بالتعليم الإبتدائي .. ثم انتقل إلى الإدارة العامة للثقافة في سنة ( 1945 ).
·         اتصل بالأستاذ عباس محمود العقاد و بقي تلميذا له زمنا طويلا، يتبنى آراءه و ينافح عنها و يدخل في صراعات أدبية من أجلها، و مع تتلمذه على العقاد و استفادته الكبيرة منه، إلا أنه كان له نوع من الاستقلال إذ نزع إلى الاغتراف من المنابع لا من الأستاذ !
·         و في القاهرة أتقن سيد قطب الإنجليزية، و تأثر بآدابها.. و كانت له موهبة شعرية و فنية و أدبية و ملَكة نقدية فذة، و لعل للعقاد كبير الأثر في ذلك. و لهذا دراسته طيلة هذه الفترة للقرآن الكريم مقتصرة على النواحي الفنية و الجمالية، فنشر في مجلة المقتطف مقالين بعنوان ( التصوير الفني في القرآن الكريم ) في عددي فبراير و مارس سنة 1939 . و في عام 1945 ألف كتابه ( التصوير الفني في القرآن الكريم ) و هو يمثل المنهج الجمالي الفني في القرآن الكريم. و في عام 1947 أصدر كتابه الثاني ( مشاهد يوم القيامة في القرآن ) و هو يتناول التصوير الفني في في مشاهد القيامة في النعيم و العذاب. 
·         في أواخر سنة 1948 سافر إلى أمريكا في مهمة " تربوية" هي " دراسة المناهج التعليمية في الولايات المتحدة الأمريكية" كخبير في المناهج، و متخصص في البرامج، و باحث في الأساليب. لكن الأستاذ صلاح عبد الفتاح الخالدي صاحب كتاب "أمريكا من الداخل بمنظار سيد قطب " يؤكد أن سيد قطب مغضوب عليه من قبل القصر، و الحكومة نفسها متضايقة من مقالاته و انتقاداته، لذلك تم التفكير في حل يرضي جميع الأطراف. و كان يتمثل في إيفاده – أو إبعاده – إلى أمريكا. و مما تجدر الإشارة إليه هنا أنه في طريقه إلى أمريكا – و السفينة تمخر عباب المحيط إلى نيويورك – حدث أن رأى مبشرا يحاول تنصير المسلمين من ركاب الباخرة فأيقظ ذلك مشاعره الإيمانية و قام في مسلمي السفينة خطيبا و إماما يوم الجمعة فجاءه بعد الصلاة كثير من الركاب من الأجانب يعلنون تأثرهم بصلاتهم و ما فيها من خشوع و نظام و روح. و كانت هذه الرحلة حسب – صلاح الخالدي – بداية الطريق الجديد الذي هداه الله إليه، و وفقه لسلوكه و السير فيه..
·         حين كان في أمريكا، لفت نظره بشدة ما أبدته الصحف الأمريكية. و كذلك الإنجليزية من اهتمام بالغ بالإخوان، و من شماتة و راحة واضحة في حل جماعتهم و ضربها، و في قتل مرشدها. و من حديث عن خطر هذه الجماعة على مصالح الغرب في المنطقة.
·         ساهم في ثورة يوليو سنة 1952 و له علاقات مع رجالاتها ، كُتبه شكلت الوعاء النظري للثورة، و عرفانا بالجميل و تكريما لرائدهم الفكري نظم رجال الثورة حفلا لتكريمه – بعد نجاح الثورة – حضره كبار المثقفين و كبار الضباط حتى الرئيس محمد نجيب كان مقررا أن يقوم بتقديمه لكن حال حائل دون حضوره فأناب عنه أحد الضباط ، و كان من بين الحاضرين الدكتور طه حسين، الذي ألقى كلمة في حق الأستاذ سيد اختتمها بقوله: " إن سيد قطب انتهى في الأدب إلى القمة و القيادة، و كذلك في خدمة مصر و العروبة و الإسلام". كما أن سيد ألقى كلمة مرتجلة و قال عن الثورة: " إن الثورة قد بدأت حقا، و ليس لنا ان نثني عليها؛ لأنها لم تعمل بعد شيئا يذكر، فخروج الملك ليس غاية الثورة؛ بل الغاية منها العودة بالبلاد إلى الإسلام.. ثم قال :  "و لقد كنت في عهد الملكية مهيئا نفسي للسجن في كل لحظة، و ما آمن على نفسي في هذا العهد أيضا؛ فأنا في هذا العهد مهييء نفسي للسجن و غير السجن أكثر من ذي قبل". و هنا وقف جمال عبد الناصر، و قال بصوته الجهوري ما نصه: " أخي الكبير سيد.. و الله لن يصلوا إليك إلا على أجسادنا جثثا هامدة؛ و نعاهدك باسم الله - بل نجدد عهدنا لك – أن نكون فداء لك حتى الموت..".
·         و صدق حدس سيد فلم يمر على ذلك الحفل إلا أقل من سنة و نصف  حتى تم اعتقاله الأول ( في يناير 1954) و اعتقل للمرة الثانية في أكتوبر من نفس السنة و حُكم عليه بالسجن 15 سنة مع الأشغال الشاقة، تعرض فيها لألوان من التعذيب الرهيب : كان من وسائل تعذيبه كلاب الصيد عليه لنهش جسده و تمزيق لحمه ..
·         مكث في السجن إلى أواخر 1964، حتى تدخل عبد السلام عارف – رئيس جمهورية العراق ذلك الحين نظرا لإعجابه بكتابه "في ظلال القرآن"-  لدى حكام مصر فأفرجوا عنه قبل انتهاء المدة المحكوم عليه بها .و بعد بضعة أشهر ألقي القبض عليه مرة أخرى بتهمة الإعداد لانقلاب مسلح.
·         في 29 غشت  1966 عاجله الأجل فتم تنفيذ حكم الإعدام مع يوسف هواش و عبد الفتاح إسماعيل.   
ثانيا/ مسار مفكر :
أ – ما قبل الاتجاه الإسلامي :
·         تميزت بنهله من الثقافة الأدبية الأوربية ( التي تتسم في القرن 18 و 19 و 20 بالسير نحو الفردية، و تنمية الاستقلال الفكري و النفسي، و إيجاد قيم خاصة، و الخروج على القيم السائدة ...) و تشربه لها من دون ميزان ثابت. مما جعله يتيه في مجاهلها و يضيع في تيار ضلالها، فظهرت عليه أعراضها، فيبدو رجلا بائسا حزينا قلقا يعتبر الحياة تافهة، فليس فيها خير و ليس لها هدف، و يعتبر الفناء غاية الحياة بكل ما فيها من قيم و فكر و موازين و أعمال و مشاعر .. و يتبنى، في نهاية المطاف، روحا عدمية. ساعد على تثبيت هذه المعاني في نفسه فكر العقاد و فلسفته الأدبية من جهة و حالة الضيق المادي التي عانى منها معاناة شديدة و نفسيته الحساسة التي كانت أرضا تستقبل البذور فتنميها إلى مدى بعيد. و من آثاره الدالة على حياته الفكرية و تيهه آنذاك، قوله :
نحن، أم تلك على الأرض ظلال ؟                 و خيال سارب أثر خيال
في متاهات   وجود     لزوال                     كبقايا الخطو في وجه الرمال
                        للزوال .. كل شيء للزول .. !

و قوله كذلك :       كل ما كان و سوف يكون         نأمة تهجس في جوف السكون .. !
·         و رغم تيهه هذا لم يلجأ إلى الإلحاد، كما ذكر هو بنفسه للأستاذ أبي الحسن الندوي ( و حكاه في كتابه "مذكرات سائح في المشرق العربي" ) إذ كان العقاد حاسما في الحيلولة بينه و بين الفكر المادي و تبني الماركسية .
ب – الاتجاه الإسلامي :
·         يعتبر الدكتور منير محمد الغضبان صاحب كتاب : " سيد قطب ضد العنف " أن بروز اتجاهه الإسلامي ابتدأ عام ( 1945)، و في التاسعة و الثلاثين من عمره في كتبه:
1/ التصوير الفني في القرآن ( أبريل/1945 )
2/ مشاهد القيامة في القرآن ( أبريل/1945 )
3/ العدالة الاجتماعية في الإسلام ( أبريل/1947 )
·         من إرهاصات نمو هذا الاتجاه الإسلامي العام لدى سيد قطب : نشأته في أسرة متدينة، و بيئة متدينة ( على خرافة فكرها الديني )، حفظ القرآن في سن مبكرة، أثر العقاد ( دفاعه عن الإسلام رغم عدم تدينه ).
·         تأثر سيد في اتجاهه الإسلامي بمدرسة رشيد رضا التي تشكل امتدادا لمدرسة محمد عبده.
·         من أهم القضايا التي كان يتبناها في هذه المرحلة: الدفاع عن الفلاح المصري ضد الإقطاع: كتاب : معركة الإسلام و الرأسمالية (نُشر في فبراير/1951 ).
·         أصدر مجلة الفكر الجديد بتمويل من أحد الإخوان المسلمين و هو الحاج محمد حلمي المنياوي، صاحب دار الكتاب العربي، و لقد ضاقت بها الحاشية الملكية لهجومها على الإقطاع، و الباشوات و الرأسمالية، و على أصحاب النفوذ جميعا، فأغلقتها الحكومة المصرية بعد صدور اثني عشر عددا منها.
·         أصدر كذلك كتابه : السلام العالمي في الإسلام ( أكتوبر/1951 ).
·         بدأ في إصدار كتبه ( في ظلال القرآن ) بمقالات في مجلة ( المسلمون ) التي كانت تصدر شهريا برئاسة سعيد رمضان – صهر الإمام حسن البنا و أب المفكر الكبير طارق رمضان - في نهاية عام 1951.
·         أصدر سنة 1953 كتابه: دراسات إسلامية، الذي ضم بين دفتيه مجموعة من المقالات عن مجموعة من القضايا و تعليقات رصينة عن أحداث تلك المرحلة.
·         بعد توقف التعذيب البدني في السجن بدأ يعيد النظر في المحن التي يتعرض لها الإسلاميين. يقول في هذا :  "الإخوان المسلمون تدبر لهم المذابح في حادث المنشية و حادث طرة.. جمعية الفلاح عن طريق أعضائها القريبين من رجال الثورة، تشحن الجو بالتوتر و المخاوف، و تعمل على توسيع الهوة و تعميقها.. التعذيب   و القتل والتشريد ينال الألوف من العناصر المتدينة المتمسكة بالأخلاق، المخلصة الأمينة، و بيوتهم و أطفالهم و نسائهم إلى آخر هذه الصورة المفزعة الكئيبة؛ هذه هي الحصيلة التي تجمعت لدي فيما بين سنة (1954)  و سنة (1962). ليس معنى ذلك أنه لم تكن هناك أخطاء إطلاقا في حركة الإخوان؛ و لكنها إلى جانب تلك الحصيلة ضئيلة". " إن الحركة الإسلامية يجب أن تستمر، إن القضاء عليها في مثل تلك الأحوال يعد عملا فظيعا جدا، يصل إلى حد الجريمة.. إن الأخطاء الحركية يمكن أن تستبعد و يمكن الاستفادة من التجربة في تجنبها". و أخذ يطرح أسئلة من قبيل: لماذا يتنكر الحكام للمخلصين الصادقين و يتحالفون مع المخالفين و الكذابين؟ ! لماذا تسكت الجماهير بل يساق فريق منها للهتاف و التصفيق للطغاة و الجلادين؟ ! فأعاد قراءته للقرآن الكريم بهذه الخواطر و الاهتمامات، و قارن بين طبيعة الخلاف و الصراع بين الإسلام و الجاهلية خلال حياة الأنبياء والرسل، فكان منهجه الأخير في الظلال، و في معالم في الطريق، يركز هذا المنهج على الصراع بين الأنبياء و الرسل و بين الملأ من الجاهليين في عصور التاريخ. و يتكلم عن الجماعة المسلمة و تصورها و مواجهتها للجاهلية. و يتكلم عن الأمة الإسلامية و مواقفها من المجتمع الجاهلي. و يؤكد أن أعداء الإسلام يحاربونه في معاركهم الثقافية و الحركية من خلال تجمع حركي و ليس من خلال شتات و تفرق. لهذا يجب الاسترشاد بموقف الصحابة و حركتهم بالقرآن الكريم في مكة و المدينة؛ ليعاد صياغة الجماعة المؤمنة و الأمة الإسلامية من جديد. يقول الأستاذ سالم البهنساوي - صاحب كتاب " أضواء على معالم في الطريق" -  و هو في هذه المصطلحات كلها لا يصدر أحكاما بالكفر و الإيمان على المسلمين القاعدين أو المنافقين، و لا يعني بالجماعة إلا مجتمع المسلمين أو الأمة الإسلامية تحت قيادة حاكم مسلم يلتزم بإسلامه. إنه يدعو- في ظلاله – الأمة الإسلامية إلى التميز بخصائصها و مميزاتها التي بينها القرآن، و إلى أن تكون صورة عملية واقعية لمبادئ القرآن و قيمه، و إلى أن تقوم بمسئوليتها، و تؤدي مهمتها التي رسمها القرآن، و إلى أن تبوء مكانتها القيادية في واقع البشرية. ففي الظلال في مقدمة الطبعة المنقحة بين أهم نتيجة خرج بها من حياته في ظلال القرآن، و هي: " لا صلاح لهذه الأرض، و لا راحة لهذه البشرية، و لا طمأنينة لهذا الإنسان، و لا رفعة و لا بركة و لا طهارة، و لا تناسق مع سنن الكون و فطرة الحياة.. إلا بالرجوع إلى الله..".
·         في عام 1957، بعد وقوع مذبحة سجن ليمان طرة التي ذهب ضحيتها واحد و عشرين من الإخوان، تأثر سيد – المرهف الحس، الرقيق المشاعر – بما حدث فقام بتشخيص الواقع و دراسة واقع الإخوان المسلمين مع يوسف هواش – ثالث ثلاثة أعدموا في سنة 1966 -، فبرزت عناصر ثلاثة تمثل الفكر الحركي الجديد لسيد قطب:
-          العنصر الأول: التشابه بين الحركة اليوم، و موقفها من مجتمعاتها شبيهة بالحالة في العهد المكي.
-          العنصر الثاني: التشابه من حيث الجهل بحقيقة العقيدة الإسلامية، و ليس فقط البعد عن النظام الإسلامي و الشريعة الإسلامية.
-          العنصر الثالث: وجود المعسكرات المعادية للإسلام في الواقع اليوم و الواقع في العهد المكي.
       هذه الأفكار التي تبلورت لدى الشهيد سيد في آخر حياته هي التي دفعت خصوم الحركات الإسلامية إلى وصمه بأنه أمير الدم و منظر للتطرف و العنف و الإرهاب – و هي اتهامات مجانية غالبا ما تكون صادرة عن سوء نية -. كما أنها كانت مثار نقد العديد من المفكرين الإسلاميين – مع احتفاظهم بالأدب مع الشهيد – و لا ضير في هذا فكل واحد يؤخذ من كلامه و يُرد إلا صاحب هذه الروضة الشريفة – كما قال الإمام مالك – مع العلم أن الشهيد كان رجاعا للحق؛ يحكي الأستاذ فريد عبد الخالق – أحد قيادات الإخوان من الرعيل الأول – في شهادته على العصر  في برنامج أحمد منصور بقناة الجزيرة أنه لما تحدث مع الشهيد سيد عن بعض ما يعتري كتاباته الأخيرة من ملاحظات و عن مآلات سوء الفهم لها تأثر بذلك، هذا فضلا عن أخذه بعين الاعتبار ما قيل له من أخطاء في الطبعة الأولى لبعض أجزاء الظلال أثناء تنقيحه لها، علاوة على تقدير الظروف التي مر بها : رهافة حسه و رقة مشاعره أمام الاضطهاد الذي يتعرض له أمامه الدعاة لا لشيء إلا لأنهم يقولون ربنا الله و ممن من طرف أصدقائه القُدامى بل من أخيه الصغير الذي جدد عهده له على الموت فداء له  ( جمال عبد الناصر، الذي قال له في الحفل المذكور آنفا،:أخي الكبير سيد ...نجدد عهدنا لك – أن نكون فداء لك حتى الموت..) . كل هذا يجعلنا نعتقد بأن الشهيد لو طال به العمر في مناخ يحترم أدنى شروط الآدمية لغَير جملة من الأفكار .
ثالثا/ من إلماعاته و إضاءاته :
·         لماذا يُواجه هذا الدين ؟   ( الظلال :الجزء10  )
يُواجهُ هذا الدين بوصفه إعلانا عاما لتحرير الإنسان في الأرض من كل سلطان غير سلطان الله.           
·         القلوب القادرة على حمل الأمانة   ( معالم في الطريق )
لقد كان القرآن الكريم ينشئ قلوبا يعدها لحمل الأمانة، و هذه القلوب كان يجب أن تكون من الصلابة و القوة و التجرد بحيث لا تتطلع – و هي تبذل كل شيء و تحتمل كل شيء – إلى شيء في هذه الأرض، و لا تنظر إلا إلى الآخرة، و لا ترجو إلا رضوان الله. قلوبا مستعدة لقطع رحلة الأرض كلها في نصب و شقاء و حرمان و عذاب و تضحية حتى الموت، بلا جزاء في هذه الأرض قريب، و لو كان هذا الجزاء هو انتصار الدعوة و غلبة الإسلام و ظهور المسلمين، بل لو كان هذا الجزاء هو هلاك الظالمين بأخذهم أخذ عزيز مقتدر كما فعل بالمكذبين الأولين .. حتى إذا وجدت هذه القلوب التي تعلم أن ليس أمامها في رحلة الأرض إلا أن تعطي بلا مقابل – أي مقابل – و أن تنتظر الآخرة وحدها موعدا للفصل بين الحق و الباطل – حتى إذا وجدت هذه القلوب، و علم الله منها صدق نيتها على ما بايعت و عاهدت – آتاها النصر في الأرض، و ائتمنها عليه، لا لنفسها، و لكن لتقوم بأمانة المنهج الإلهي و هي أهل لأداء الأمانة منذ كانت لم توعد بشيء من الدنيا تتقاضاه، و لم تتطلع إلى شيء في الأرض تعطاه، و قد تجردت لله حقا يوم كانت لا تعلم لها جزاء إلا رضاه.
كيف نقدم الإسلام للناس؟   ( معالم في الطريق )
حين ندرك حقيقة الإسلام على هذا النحو، فإن هذا الإدراك – بطبيعته – سيجعلنا نخاطب الناس و نحن نقدم لهم الإسلام في ثقة و قوة، و في عطف كذلك و رحمة. ثقة الذي يستيقن أن ما معه هو الحق، و أن ما عليه الناس هو الباطل، و عطف الذي يرى شقوة البشر و هو يعرف كيف يسعدهم، و رحمة الذي يرى ضلال الناس و هو يعرف أين الهدى الذي ليس بعده هدى ! .. هكذا ينبغي أن نخاطب الناس و نحن نقدم لهم الإسلام، لأن هذه هي الحقيقة، و لأن هذه هي الصورة التي خاطب الإسلام الناس بها أول مرة، سواء في الجزيرة العربية أم في فارس أم في الروم، أم في أي مكان خاطب الناس فيه. نظرا إليهم من عل، لأن هذه هي الحقيقة، و خاطبهم بلغة الحب و العطف لأنها حقيقة كذلك في طبيعته .
القرآن الكريم، لمن يمنح كنوزه؟ و لماذا جاء؟   ( معالم في الطريق: 18 )
 إن هذا القرآن لا يمنح كنوزه إلا لمن يقبل عليه بهذه الروح، روح المعرفة المنشئة للعمل. إنه لم يجيء ليكون كتاب متاع عقلي، و لا كتاب أدب و فن، و لا كتاب قصة و تاريخ، و إن كان هذا كله من محتوياته، إنما جاء ليكون منهاج حياة.
عقوبة الفطرة   ( الإسلام و مشكلات الحضارة )
إن الذين يخالفون عن قانون الفطرة لا يمكن أن يمضوا بلا عقاب .. و هو عقاب رهيب و لو تفتحت عليهم أبواب كل شيء من خيرات الأرض، و رخاء العيش، و مضاعفة الدخل، و الضمانات المالية الخيالية، فللحياة الإنسانية قوانينها الفطرية الصارمة التي لا تجامل و لا تلين.. و لقد حذر الله عز و جل عباده عواقب التعرض للخلاف عن هذه القوانين ( القوانين الطبيعية الفطرية ) و ذلك حين يعرضون عن منهج الله، و هُداه، المتمشي مع سنته في الكون، فلا تكون لهم من عواقبها نجاة: [ فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون فقُطع دابر القوم الذين ظلموا و الحمد لله رب العالمين ]. ( سورة الأنعام:44-45 ). [ حتى إذا أخذت الأرض زخرفها و ازينت و ظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون ]. ( سورة يونس: 24 ).
آثار الترويج للإنسان الحيوان  ( الإسلام و مشكلات الحضارة )
ظهرت آثار التوجيه المتواصل إلى حيوانية الإنسان و ماديته و سلبيته، و إطلاق شهواته و غرائزه من كل ضابط.. ظهرت في صورة الانحلال، و اللامبالاة، و السلبية، و قبول الديكتاتوريات، و حياة القطيع التي لا هدف لها إلا السفاد و اللقاح و الطعام و الشراب.
هذا الدين يتحقق بجهد البشر  ( هذا الدين )
إن هذا الدين منهج إلهي للحياة البشرية، يتم تحقيقه في حياة البشر بجهد البشر أنفسهم في حدود طاقتهم البشرية، و في حدود الواقع المادي للحياة الإنسانية في كل بيئة، و يبدأ العمل من النقطة التي يكون البشر عندها حينما يتسلم مقاليدهم، و يسير بهم إلى نهاية الطريق في حدود طاقتهم البشرية، و بقدر ما يبذلونه من هذه الطاقة .. و ميزته الأساسية أنه لا يغفل لحظة، في أية لحظة و في أية خطوة، عن فطرة الإنسان و حدود طاقته و واقع حياته المادي أيضا.
في وظيفة الإسلام    ( معالم في الطريق )
إنه لم تكن وظيفة الإسلام أن يغير عقيدة الناس و واقعهم فحسب، و لكن كانت وظيفته كذلك أن يغير منهج تفكيرهم، و تناولهم للتصور و الواقع.
الإيمان بالحتميات الآلية : أحط عبودية يتصورها خيال !  ( مقومات التصور الإسلامي)
فمن رحمة الله بعباده أن يجعل للكون سننا ثابتة و قوانين دائمة يستطيعون كشفها و إدراكها و التعامل معها تعاملا ثابتا. و لكن من رحمته بهم كذلك ألا يجعلهم عبيدا لحتميات آلية في نظام الكون، إنما يعلق قلوبهم بإرادته هو و قدره مباشرة، و ينقذ أرواحهم من العبودية لغيره، حتى و لو كانت السنن الكونية من خلقه.. فما بال الذين يقولون بالحتمية الآلية في نظام الكون، و في نظام الحياة، و في نظام المجتمع، دون أن يكون وراء هذه الحتميات الآلية كلها إله ؟ ! إنهم يُسَلمُون " الإنسان" لأحط عبودية يتصورها خيال !
بين العقل البشري و التصور الإسلامي   ( مقومات التصور الإسلامي)
 محاكمة التصور الإسلامي أو محاكمة مقوماته التي يقوم عليها و منها ما هو غيب، كالملائكة، الجن، القدر، يوم القيامة، الجنة و النار إلى العق البشري و مقرراته الذاتية منهج غير إسلامي. و هذا لا يعني أن التصور الإسلامي مناقض أو مصادم للعقل البشري فإن مقرراته كلها نوعان: نوع الإدراك البشري قادر على تصوره عند تلقيه من المصدر الرباني – و نوع هو غير قادر على إدراكه و لكن منطقه ذاته يُسَلم بأن طبيعته أكبر من حدود إدراكه، و أن " وجود" ما هو أكبر من حدود إدراكه داخل قدرة الله تعالى، و أن إخبار الله عن وجوده هو بذاته برهان هذا الوجود، و برهان صحة الأخبار .. و من ثم لا يقع التناقض أو التصادم أبدا، متى استقام العقل البشري و التزم حدوده !
مقومات التصور الإسلامي و نشدان "الإنسان الجديد": الإنسان الحر    ( مقومات التصور الإسلامي )
 هذه المقومات.. التي جاء ليطبعها في الضمير البشري، و ليقيم عليها منهجه الواقعي، و نظامه العلمي، و ليحول بها خط سير التاريخ الإنساني، و ليعلن بها ميلاد " الإنسان الجديد" إذ يعلمه إلغاء عبودية الإنسان للإنسان كما يعلمه إلغاء عبودية الإنسان للأشياء و الأحياء، في كل صورها و أشكالها، و ذلك بإعلان عبودية الإنسان لله وحده بلا شريك.
سر قوة الكلمة   ( دراسات إسلامية )
إن السر العجيب ليس في بريق الكلمات و موسيقى العبارات، إنما هو كامن في قوة الإيمان بمدلول الكلمات، و ما وراء الكلمات. إنه في ذلك التصميم الحاسم على تحويل الكلمة المكتوبة إلى حركة حية... في هذا يكمن سر الكلمة، و في شيء آخر؛ في استمداد الكلمات من ضمائر الشعوب، و من مشاعر الإنسان و من صرخات البشرية، و من دماء المكافحين الأحرار. إنه ليس كل كلمة تبلغ إلى قلوب الآخرين فتحركها، و تجمعها و تدفعها ! إنها الكلمات التي تقطر دماء؛ لأنها تقتات من قلب إنسان حي ! كل كلمة عاشت قد اقتات قلب إنسان. أما الكلمات التي تلد في الأفواه، و قذفت بها الألسنة، و لم تتصل بذلك النبع الإلهي الحي فقد ولدت ميتة، و لم تدفع بالبشرية شبرا واحدا إلى الأمام، إن أحدا لن يتبناها؛ لأنها ولدت ميتة. إن أصحاب الأقلام يستطيعون أن يصنعوا شيئا كبيرا، و لكن بشرط واحد؛ أن يموتوا هم لتعيش أفكارهم، أن يطعموا أفكارهم من لحومهم و دمائهم، أن يقولوا ما يعتقدون أنه حق، و يقدموا دماءهم فداء لكلمة الحق ! إن أفكارنا و كلماتنا تظل جثثا هامدة حتى إذا متنا في سبيلها أو غذيناها بالدماء انتفضت حية و عاشت بين الأحياء...و الكلمة ذاتها – مهما تكن مخلصة و صادقة – فإنها لا تستطيع أن تفعل شيئا قبل أن تستحيل حركة، و أن تتقمص إنسانا. الناس هم الكلمات الحية التي تؤدي معانيها أبلغ أداء.
في استعمال المفاوضات مع الاستعمار   ( دراسات إسلامية )
إن هذه الشعوب لأذكى، و أشد حمية، من أن ترضى لنفسها الهوان؛ و لكنها تلك الحفنة من ساسة الماضي في مصر و البلاد العربية؛ تلك الحفنة الرخوة المسنة الضعيفة المتهالكة، المهدودة الأعصاب. لا تقدر على الكفاح، و لا تدع الشعوب تكافح؛ لأن أنانيتها الآثرة تمسكها عن الانسحاب من الميدان و تركه للقادرين.. هذه الحفنة من ساسة الجيل الماضي هي التي اخترعت المفاوضات و المحادثات و المؤتمرات.. لماذا ؟ لأنها وسيلة لا تكلف شيئا؛ و تضمن الكراسي و السلطة لفترة من الزمن. و كلما همت الشعوب أن تسلك طريقها، و أن تواجه المستعمرين بذاتها؛ حال هؤلاء بينها و بين المستعمرين، و وقفوا من دونهم يصارعون الشعوب و تصارعهم الشعوب، فإذا أتعبهم الصراع مع شعوبهم راحوا يبثون في الأمة روح الثقة بالمستعمرين و راحوا يشيعون الآمال الخادعة لهذا الضمير المدخول.
الخط الرئيسي للتربية الخلقية  ( دراسات إسلامية)
إن الخط الرئيسي في أية محاولات للتربية الخلقية، ينبغي أن يكون هو ربط الضمير الإنساني بأفق أعلى من الذات المحدودة و المصلحة القريبة؛ أفق يستعذب التضحية في سبيله و يستسهل الصعب في الارتقاء إليه، فماذا يكون هذا الأفق العالي الجذاب؟ لقد يرى بعضهم أن يكون هو العزة القومية، و لقد يرى بعضهم أن يكون هو الأخوة الإنسانية؛ و كلاهما أفق كريم وضيء يمكن أن يرفع مشاعر الفرد من أفق المنفعة القريبة و اللذة الحاضرة. أما أنا فأوثر أن أربط ضمير الفرد بأفق أعلى من هذه الآفاق جميعا، أفق تنطوي فيه هذه الآفاق جميعا، أوثر أن أربطه بالله خالق الأوطان و خالق الإنسان..
سر الابتلاء كامن في حرية العقيدة و الاختيار  ( مقومات التصور الإسلامي )
و لو شاء الله لقهر الناس كلهم على الهدى، فلا يكون هناك مجال لابتلاء، غير أن الله سبحانه شاء أن يودع فطرة الإنسان الاستعداد المزدوج للهدى و الضلال، و أعطاه البصيرة يدرك بها، و العقل يميز به، و أرسل إليه الرسل يبينون له..ثم يختار..و في هذا كان الابتلاء. فإذا اختار لنفسه الهدى أعانه الله عليه، و كان ما شاء الله، و إذا اختار الضلالة مد له الله في الغي. و كان ما شاء الله. لأن هذه مشيئته منذ الابتلاء.. و إلى هذا تشير الآيات: [ سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا و لا آباؤنا و لا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن و إن أنتم إلا تخرصون قل فلله الحجة البالغة فو شاء لهداكم أجمعين قل : هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا فإن شهدوا فلا تشهد معهم و لا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا و الذين لا يؤمنون بالآخرة و هم بربهم يعدلون ].
البلاء طريق الدعاة   ( الظلال: الجزء4 )
[ و ما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ] . إنها متاع، و لكنه ليس متاع الحقيقة، و لا متاع الصحو و اليقظة.. إنه متاع الغرور المتاع الذي يخدع الإنسان فيحسبه متاعا، أو المتاع الذي ينشئ الغرور و الخداع ! فأما المتاع الحق. المتاع الذي يستحق الجهد في تحصيله.. فهو ذلك..هو الفوز بالجنة بعد الزحزحة من النار. و عندما تكون هذه الحقيقة قد استقرت في النفس قد أخرجت من حسابها حكاية الحرص على الحياة – إذ كل نفس ذائقة الموت على كل حال – و أخرجت من حسابها حكاية متاع الغرور الزائل..عندئذ يُحدث الله المؤمنين بما ينتظرهم من بلاء في الأموال و الأنفس. و قد استعدت نفوسهم للبلاء: [ لتبلون في أموالكم و أنفسكم و لتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم و من الذين أشركوا أذى كثيرا و إن تصبروا و تتقوا فإن ذلك من عزم الأمور ]. إنها سنة العقائد و الدعوات. لا بد من بلاء، و لا بد من أذى في الأموال و الأنفس و لا بد من صبر و مقاومة و اعتزام. إنه الطريق إلى الجنة. و قد حفت الجنة بالمكاره بينما حفت النار بالشهوات. ثم إنه الطريق الذي لا طريق غيره،
فاعلية المسلم المتلقي للعقيدة السليمة   ( معالم في الطريق )
إن الإنسان الواحد لن يتلقى هذه العقيدة و ينطوي على نفسه..إنه سينطلق بها..هذه طبيعتها..طبيعة الحركة الحية..إن القوة العليا التي دفعت بها إلى هذا القلب تعلم أنها ستتجاوزه حتما ! ..إن الدفعة الحية التي وصلت بها هذه العقيدة إلى هذا القلب ستمضي في طريقها قُدما.
خاتمة:
إذا عدنا إلى عدد من المصطلحات التي نحتها المفكر الكبير مالك بن نبي - رحمة الله عليه – من قبيل الأفكار الميتة و الأفكار الأصيلة و الأفكار الفعالة، يمكننا التعامل على ضوئها مع التراث الفكري للشهيد سيد قطب. ففي هذا التراث من الأفكار الميتة التي تجاوزها الفكر الإسلامي في العقود الأخيرة و تجاوزتها الأحداث المتناسلة على مدار خمسة عقود. و فيه أفكار أصيلة طلائعية، ينبغي أن يُشهد لصاحبها – رحمه الله – بالريادة و قصب السبق فيها، و هي بالخصوص الأفكار الواردة في كتابيه: خصائص التصور الإسلامي و مقومات التصور الإسلامي، ففي هذين الكتابين تأصيل دقيق لخصائص التصور الإسلامي الذاتية ( الإيجابية، الربانية، الشمول، التوازن..) فصل فيها الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه: الخصائص العامة للإسلام، و أصبحت معتمدة حتى في المناهج الدراسية ( مادة التربية الإسلامية للجذع المشترك العلمي نموذجا). علاوة على  تناولها  لمقومات التصور الإسلامي للكون و الحياة و الإنسان بمنهج، قال فيه صاحبه: منهجنا يحاول أن يجعل النص القرآني هو الأصل الذي يتولى تقرير الحقائق التي يتألف منها البحث، و أن يجعل عبارتنا البشرية مجرد عامل مساعد، يجعل النص القرآني مفهوما – بقدر الإمكان – للقارئ. إننا نريد أن نعقد الألفة بين قارئ هذا البحث و بين القرآن ذاته في النهاية. نريد لهذا القارئ أن يتعود التعامل مع القرآن ذاته تعاملا مباشرا.
كما أن التراث الفكري للشهيد ينطوي على أفكار فعالة وردت في ثنايا العديد من كتبه؛ مقالات في " دراسات إسلامية" ، الإشارات اللطيفة إلى دور رصيد الفطرة و رصيد التجربة في إنجاح التجارب الدعوية المعاصرة كما جاء في كتابه " هذا الدين"، نعم المستقبل لهذا الدين نظرا لخصائصه الذاتية التي لا يملكها دين آخر أو أي منهج آخر ( هنا التمييز بين منهج الحياة و الدين للتوضيح فقط. أما الشهيد ففي مقدمات كتابه:المستقبل لهذا الدين. تأكيد دائم على أن كل دين منهج حياة و على أن كل منهج حياة هو دين )، المستقبل لهذا الدين نظرا كذلك لملحاحية حاجة البشرية إلى دين بمثل تلك المواصفات لكن ضروري ليكون المستقبل لهذا الدين أن يرتفع أصحابه إلى مستوى حقيقته، كما جاء في كتابه " المستقبل لهذا الدين". هذا فضلا عن ورودها في مجموعة من كتاباته المؤصلة للعدالة الاجتماعية في الإسلام. و أخيرا، لا يجادل أحد في أن ما اشتهر به الشهيد من تراث هو تفسيره " في ظلال القرآن" الذي فيه إيحاءات قوية و إثارة لأبعاد عميقة في ما جاء في الآيات الكريمة بلغة رصينة.  
لعلنا لا نجد خاتمة أحسن مما كتبه المفكر الإسلامي الكبير – الخبير بالمفكرين الإسلاميين المعاصرين ومشاريعهم الفكرية – عن الشهيد سيد قطب: ( لقد كان سيد قطب – على امتداد حياته الفكرية – نموذجا "للجهاد الفكري" الذي جمع بين الوطنية.. و الإسلامية.. و الإنسانية.. لكن الظلم الطاغي، و الطغيان الظالم، الذي وضعه – و هو الأديب المرهف الأحاسيس – على " المحرقة" قد أفرز في مسيرته الفكرية " جملة معترضة ".. تمثلت في " الزفرة" التي عبر عنها، عندما رأى الجماهير تصفق للظلم الذي وضعه على "المحرقة"؛ فقال: " إن وجود الأمة الإسلامية يعتبر قد انقطع منذ قرون كثيرة.. لقد انقطع وجودها منذ انقطاع الحكم بشريعة الله من فوق ظهر الأرض جميعا.. و لذلك؛ فالمسألة في حقيقتها هي مسألة كفر و إيمان، مسألة شرك و توحيد، مسألة جاهلية و إسلام، و هذا ما ينبغي أن يكون واضحا... ". و سواء اعتبرنا هذا " الاجتهاد الخاطئ": " زفرة مظلوم مكظوم" وضعه " الظلم على المحرقة" وسط تصفيق الجماهير !.. أو أخذنا بشهادات: إخوانه - الذين زاملوه بالسجن في أيامه الأخيرة – و الذين أكدوا نفيه ما فهم و ما يفهم من هذه العبارات – الأمر الذي يجعلنا أمام " تأويل" يدرأ هذه الأحكام التي قطعت بانقطاع أمة الإسلام منذ قرون - .. أو وضعنا هذه العبارات و أحكامها في إطار " الجملة المعترضة"؛ فسيظل سيد قطب "المفكر..المجاهد".. الذي قُتل مظلوما.. فانتشر فكره و ضرب بجذوره في العقول و القلوب على امتداد العالم، كما لم يحدث لمفكر آخر في القرن العشرين .. ).(3)
**********
الهوامش:
(1)   من زاويته " نقطة مضيئة" في العدد 51 في جريدة الراية سنة 1993 : كتب الأستاذ عبد الإله بنكيران: ( أنا أومن بقوله تعالى: [ و يمكرون و يمكر الله و الله خير الماكرين ].سورة الأنفال:30. و يقول سبحانه: [ و إن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله ].سورة الأنفال:63. إن الإيمان بهذه الطريقة يصبح جسما قويا يسير في الطريق، و لا يمكن القضاء عليه، اللهم إلا بإبادته كاملا، و ساعتها تكون قد أبادته لتغرس بذورا كثيرة في الأرض تنبت بعدها، حيث أنه لما قتل سيد قطب رحمه الله في سبيل الله بسبب كتابيه " في ظلال القرآن" و "معالم في الطريق"، انتشر الكتابان في الأرض ما لم ينتشر كتاب من قبل، و كان ذلك من بعض أسباب الصحوة الإسلامية. )
(2)   بعد قراءتي لمجموعة من كتابات الدكتور عبد الوهاب المسيري رحمه الله، لاحظتُ أن المعركة بين من يروج للإنسان الطبيعي (الإنسان السلبي الخاضع لقوانين الطبيعة ) و بين من يريد الإنسان الإنسان ( أو الإنسان الرباني )؛ و التي تناولها الدكتور عبد الوهاب بشكل عميق .  هي نفس المعركة التي تلح عليها مدرسة " آل قطب" من خلال مفهوم " العبيد " لدى سيد قطب و من خلال كتابات محمد قطب ( معركة التقاليد )، و إن كان تناول "آل قطب" ليس بالمستوى التحليلي العميق – كتحليل المسيري – لكنه لفت النظر إلى طبيعة المعركة.
(3)   انظر: تقديم الدكتور محمد عمارة. لكتاب: "سيد قطب ضد العنف ".
المراجع:

للأمانة أغلب ما نقلناه عن حياته كإنسان أو كمفكر، أخذناه مع تصرف طفيف، من المراجع التالية:

-          محمد توفيق بركات ملا حسن، كتاب: " سيد قطب: حياته، منهجه في التغيير و النقد الموجه إليه".الطبعة الأولى1998. دار البيادق.
-          منير محمد الغضبان، كتاب:" سيد قطب ضد العنف ".الطبعة الأولى 2010. دار السلام .
-          سالم البهنساوي، كتاب:" أضواء على معالم في الطريق". الطبعة الثالثة2007. دار الوفاء.
-          صلاح عبد الفتاح الخالدي، كتاب: " أمريكا من الداخل بمنظار سيد قطب ".الطبعة الثالثة 1987.دار الوفاء و دار المنارة.
-          سيد قطب، كتاب : " مقومات التصور الإسلامي".الطبعة الرابعة 1993. دار الشروق.
...تابع القراءة

| 0 التعليقات ]





1/ الدعوة الإسلامية في المدرسة المغربية قبل عقود :

في حواره مع جريدة المساء في صيف 2012 ،ذكر  الأستاذ مصطفى المعتصم في إطار كرسي الاعتراف : ، أنه بدأ الدعوة إلى الله تعالى مع أربع تلاميذ في الثانوية التي درس بها فأثمرت دعوتهم أزيد من خمسين تلميذا انخرطوا بدورهم في سلك الدعوة و النضال . كلام الأستاذ معتصم لا يجب أن يمر دون وقفة ، فانخراط أزيد من خمسين تلميذا في العمل النضالي و الدعوي بما يتسم به من وعي  بالذات و الانتماء  بسبب أربعة تلاميذ رغم أن الجو المدرسي مهيمن عليه من طرف التيار الماركسي له مغزاه و هو أن البراعم الأولى في الحركة الإسلامية كانت متحمسة للدور المنوط بها و مستوعبة لطبيعة المعركة التي تخوضها و مُشمرة على ساعد الجد في عملها.
و في المقابل فإن الدعوة الإسلامية الحالية في المؤسسات التعليمية تغط في نوم عميق عن المعارك الحقيقية التي يجب أن تخوضها ، رغم أنها تنفرد بالساحة و لا وجود لمنافس كالماركسية و الإلحاد التي واجهتها مجموعة المعتصم الرباعية على سبيل المثال و هنا يطرح سؤال التحدي المستفز للحركة الإسلامية .. الإشكال القائم هنا هو مدى إحساس الحركة بالتحدي ، أما هو  من حيث كونه تحدي فهو قائم ، فانبطاح المستوى المعرفي للتلاميذ – عدة المستقبل و أمل الأمة – و انحلال أخلاقهم و استلاب هوياتهم ليست أقل من وجود عدو ماركسي ملحد. و يعزز هذا ما قاله  الدكتور أحمد الريسوني : " : ( والتحدي الآخر - يعني أمام الحركة الإسلامية - هو الانحلال والتفسيخ الاجتماعي الخلقي الذي يمارس بشكل ممنهج.. قبل ثلاثين سنة كنا نواجه في صفوف الشباب مشكلة عدم التدين، ومشكلة الإلحاد ، ومشكلة الاهتزاز العقدي، لكن كنا نتناقش ونصل فيه إلى نتائج في الغالب وكثير من المناقشات في ليلة أو ليال تحوله من الكفر التام ومن الإلحاد التام إلى التدين والانخراط في الحركة الإسلامية، لكن حينما تجد المخدرات مثلا تغزو، وللمخدرات أخوات شقيقات أو شقيقات كثيرات، لكي تستخرج فتى أدمن المخدرات وأدمن الخمر وأدمن الانحراف .. هذا صعب جدا !! ).(3)
بكلمة ، إن الدعوة الإسلامية منذ بداية عقد السبعينات كانت سامقة في المؤسسات التعليمية و كانت تؤدي رسالتها الحقيقية و قد أعطت ثمارها المتمثلة في إنتاج نخب معتزة بهويتها و متميزة في تخصصها العلمي و رائدة في أخلاقها ( الأمانة، الصدق، نظافة اليد..)  و التي توجت بقيام صحوة إسلامية عارمة لفظت الإلحاد و الماركسية إلى الأبد.

2/ عوائق الصحوة الإسلامية الحالية :

لا يمكن الجزم بتشخيص دقيق للدعوة الإسلامية حاليا في المؤسسات التعليمية ، لكن الملاحظ عموما – و كما سلف ذكره- هو كون الدعوة غائبة عن المعارك الحقيقية في المؤسسات و أحيانا غائبة كليا عن الميدان .مما يستدعي التنقيب عن العوائق الحائلة دون قيام الدعوة بالمنوط بها المؤسسات، بغض النظر عن العائق الأول الذي ذكرناه و هو خوض معارك وهمية أو الانسحاب التام من الساحة .
تتداخل عدة عوائق في هذا التعثر،  لكن مردها الأول إلى الحركة الإسلامية تمشيا مع الخطاب القرآني .{ قل هو من عند أنفسكم.} و اعترافا بالأمر الواقع.
أ/ مرض التضخم الدراسي :
يمكن القول إن تضخم الجانب الدراسي  عند التلاميذ الدعاة و اختلال ميزان الأولويات عندهم أكبر عائق أمام نجاح الدعوة (= قيام الصحوة) ؛ فالاتجاه العام للدراسة يسير  في السنوات الأخيرة نحو الإقبال الكبير على الشعب العلمية و التقنية ، و طبيعي أن التلاميذ الدعاة أغلبهم يتجه نفس المنحى - و لا ضير في هذا فالنهضة تحتاج للتقدم العلمي و التقني كما تستلزم التمكن من العلوم الإنسانية و الاجتماعية بصفة عامة – غير أن الحاصل أن الشعب العلمية و التقنية تتطلب جهدا أكبر للتوفيق بين الجانب الدراسي و الجانب الدعوي و هو ما لا يفلح فيه الكثير من التلاميذ ( الدعاة ) الذين تستغرقهم الدراسة فينسون رسالتهم و واجبهم الذي لا يقل شأنا عن الواجب الدراسي و العلمي. و بالتالي تصبح الدعوة كأنها عمل من باب " الترف"تم إرجاؤه إلى حين.
ب/ اختلال التدبير الإسلامي لملف العمل التلمذي الدعوي:
تتحمل الحركة الإسلامية - بمعناها الشمولي ( يعني جهود المربين و العلماء و التنظيمات الإسلامية على اختلاف مشاربها )- مسؤولية جسيمة في تعثر الدعوة الإسلامية تتمثل في عدم توجيهها الصحيح للتلاميذ  أو تضخيمها لجانب معين على آخر أو  تطبيع التلاميذ على الدعوة الموسمية – إثر حملة معينة ضد ظاهرة مستشرية- .. فالحال أن بعض مكونات الحركة الإسلامية يدعو التلاميذ إلى النبوغ و التفوق الدراسي – و هذا مهم – لكن مع التساهل في الجانب الأخلاقي فيؤدي ذلك إلى ترهل التلاميذ ( الذين كانوا في الأصل مشاريع " لدعاة المستقبل" ) في حمأة  الانحلال الآسنة . و قد تجد البعض الآخر يدعو التلاميذ إلى الالتزام و لكن خطابه ينتج تلاميذ منعزلين ينكفئون على خويصة نفسهم فلا يتعدى نفع تدينهم ذواتهم و لا ينعكس إيجابا على أقرانهم .و قد أشار المصطفى صلى الله عليه و سلم إلى أن : { المؤمن الذي يخالط الناس و يصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس و لا يصبر على أذاهم } . و قد تجد مكونا آخر من مكونات الحركة الإسلامية يدعو التلاميذ إلى التدين و الالتزام بل  و دعوة الأقران و الحث على الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر لكنه ينسى دعوة التلاميذ إلى الاقتدار العلمي و إلى اعتبار التكاسل و التأخر العلمي منكر ما دونه منكر فينتج تلاميذ لا يؤثرون في الوسط المدرسي بل قد يجرهم التهاون الدراسي إلى التعرض لمضايقات من طرف الإدارات و الأساتذة فضلا عن أنهم يعطون نموذجا سيئا عن التلميذ المتدين ، عن التلميذ الداعية ، و عن التدين بصفة عامة.
ج/ فقدان التوازن الاجتماعي :
في كتيبه " فقدان التوازن الاجتماعي : مشكلة الزي و اللباس " تناول الاستاذ القدير جودت السعيد مجموعة من اللفتات المهمة في قضية العجز عن التوازن بين المبدأ و الواقع و قصة رسالة الكتيب مثال على ذلك إذ تحكي أن أختا تعرف عليها الأستاذ جودت و أخته ليلى و هي تجري ترتيبات السفر إلى أمريكا للالتحاق بزوجها لمتابعة الدراسة هناك  و سرعان ما تعمقت الصلة بينهم و تشعب حديثهم و تطرق إلى مسألة اللباس الشرعي  ( تشجيعا لها على ارتدائه ) و كان جواب تلك الأخت أن أسرتها لا تسمح لها بذلك و أنها قريبة من السفر إلى بلاد الحرية : أمريكا ، حيث لا يتدخل أحد في شؤونها الخاصة و في لباسها . و تنتظر يوم السفر لارتداء الجلباب  ( الزي الشرعي ) . و فعلا : حان موعد سفرها ، و كانت قد أعدت جلبابا أنيقا مع خمار ، فلبسته و سافرت ... ثم أرسلت بعد وقت قريب إلى إحدى الأخوات رسالة تُعلمها أنها بعد وصوها خلعت الحجاب ، لأنها شعرت بأنها إن بقيت بهذا اللباس فستكون منبوذة ، و ستكون حبيسة البيت ، و ذكرت الأدلة على ذلك : فالذين كانوا في استقبالها في المطار من أصدقاء زوجها قد أظهروا جفاء ، و انسحبوا حين رأوها بلباسها هذا ...
فكرة العجز عن التوازن بين المبدأ و الواقع حاضرة بقوة في عوائق الصحوة الإسلامية في الساحة التلمذية ، و تتجلى في الانفصام الذي يقع للتلميذ " الداعية " سليل الحركة الإسلامية إبان دخوله عتبات الساحة التلمذية إذ يأتي و هو مشحون من المجالس التي يحضرها و المجامع التي يشهدها و الكتب التي يقرؤها ( إن كان متصالحا مع الكتاب ) بفكرة فرضية الدعوة إلى الله و ضرورتها و أهمية نصح و إرشاد باقي زملائه التلاميذ و الانخراط في مشاريع إصلاحية و تأطيرية داخل المؤسسة التعليمية و إمكانية استثمار الفرص الموجودة : النوادي التي تجمع التلاميذ . لكنه يجد في الواقع معطيات أخرى : تهم العُقد التي يُوصم بها ( = الشعور بالمنبوذية )، الفشل الدراسي السائد : التلاميذ همهم النجاح و تخطي العتبات فلا هَم جديد بإمكانهم – حسب شهادتهم -  أن يتحملوه : هم الالتزام و تكاليفه ، معدلات قياسية في الانحلال و الاتجاه نحو اللذة ، لا أحد يكترث بهمومه الدعوية فالساحة التلمذية فيها تيارين لا ثالث لهما إما الانخراط في مسلسل الميوعة  و إما الانكباب على "الكناش" و الإصابة بمرض التضخم الدراسي  و جعل الغاية الأحادية من الحضور إلى المدرسة هو الوصول إلى وظيفة ذات عائد مادي كبير. و أمام هذا الواقع المرير يفقد التلميذ "الداعية" توازنه الاجتماعي  فإما أن يعتزل التدين الإيجابي فيستمر في تدين ينكفئ على خويصة النفس لا يُعير اهتماما لإصلاح الغير و إما أن يُستقطب لأحد التيارين : التيار الذي يتبنى الأوضاع الكارثية أخلاقيا و دراسيا في المؤسسة التعليمية ، فلا يصبر – مثلا - على الغش في الامتحانات لأنه ببساطة لا جدوى من الاجتهاد فالكل غشاش و بالتالي لا ضير في خوض تجربة الغش . أو ينخرط مع تيار المصابين بمرض التضخم الدراسي فيستحيل " تلميذا كناشيا" لا هم له من المقعد الدراسي إلا الكرسي الوظيفي . و هكذا  تفقد الحركة الإسلامية  عددا من التلاميذ " الدعاة" نتيجة لفقدانهم التوازن الاجتماعي فتخسر الدعوة الإسلامية جنودا لها و حملة للوائها فتتعثر مسيرة قيام الصحوة الإسلامية في الساحة التلمذية .
...تابع القراءة

| 0 التعليقات ]





ما تنفك أدبيات الحركات و الأحزاب السياسية ، منذ عقود طويلة ، عن التأكيد على أن مرادها هو التقدم . لكن من دون شك يبقى مفهوم " التقدم" هذا مفهوما عائما غامضا و شعارا فضفاضا . سؤال : ما هو التقدم ؟ خصوصا بعد الثورات التي عرفتها مجموعة من الدول العربية يجب أن يبقى  سؤالا مركزيا مؤرقا يستدعي  أبحاث جادة من مراكز الدراسات و من منتديات الفكر و التفلسف ، ليبقى الفكري، من جهة ، سندا و منارة  للسياسي. و من جهة أخرى ، كي تتحدد طبيعة " التقدم" الذي نتوخاه و تتضح معالم الطريق إليه .
إن المتأمل في استعمالات مفهوم " التقدم" و السياقات التي يرد فيها  في كتابات " نخبنا " أو على ألسنة ساستنا لن يتردد طويلا في الجزم بأن المقصود بهذا التقدم  هو التقدم  المادي ، التقني ، اللانهائي و الكمي . و الحديث المتزايد عن هذا القصد الأحادي و النمطي للتقدم  يثير أسئلة حارقة خصوصا إذا نظرنا للنتائج  الفادحة لهذا التقدم في البيئة الغربية  و المناطق السائرة نحو التغريب. و مجرد نظرة عابرة على آثار هذا " التقدم" في واقعنا ( نحن السعاة إلى التقدم على النمط الغربي ) تؤكد تلك السمات المادية التي يُوصم بها.
يقترح الدكتور عبد الوهاب المسيري  ( في كتابه : العالم من منظور غربي ) مسقط رأسه – مدينة دمنهور بمصر- كمثال  للاستدلال على مادية و لانهائية و كمية التقدم الذي يُتداول على ألسنتنا و في منتدياتنا ، فيستذكر كيف كان الكثير من الناس يعتقدون  أنه تم إحراز تقدم في هذه المدينة و هم يشيرون إلى : عدد الهواتف ، حجم الطرقات ، عدد السيارات ، كمية البروتين التي يستهلكها الفرد ، سرعة إيقاع الحياة ، نوعية الخدمات الصحية . أي أن كل المؤشرات تدل على التقدم .  و يستدرك الدكتور مبينا أن التقدم هنا عرف بطريقة مادية بالدرجة الأولى ، لذا فرصد هؤلاء الناس للواقع ركز على العناصر المادية وحدها و أهمل العناصر المعنوية و الأخلاقية. و تعود الذاكرة به إلى طفولته حيث كانوا يخرجون في العصر ، فيصنع المهرة منهم طائرات من ورق ، ملونة جميلة ، تطير في السماء التي كانت لا تزال زرقاء . و كانت أمهاتهم يصنعن لهم كرات صغيرة ( من الجوارب القديمة التي تم رتقها عشرات المرات من قبل ) و يلعبون كلهم ، لا فرق بين غني و فقير ، فالجميع قادر على صنع طائرات الورق و على صنع الكرات " الجوربية" .   و هكذا كانت لحظة اللعب هي ثمرة رؤية بيئية ناضجة تقوم على تدوير الأشياء لا على استهلاك الكون ، و كانت هي ذاتها لحظة التحرر من الصراع الطبقي و التفاوت الاجتماعي ( و لو للحظات) . و يقارن ذلك الماضي التليد مع الآن الأليم " المتقدم !!  " – بعد الألفية الثالثة – حيث غدت لحظة اللعب في دمنهور هي لحظة الاستهلاك المتزايد بعد ظهور ألعاب "فيشر" الكهربائية التي يشتريها المرء مع البطاريات ليعطيها لابنه الذي يجلس أمامها في سلبية غير عادية لتقوم هي بالحركات و الألعاب بالنيابة عنه ، و يتحول الشيء (الآلة) إلى مركز النشاط، و يتحول الإنسان إلى الشيء المتلقي المسكين. بالإضافة إلى ألعاب video games التي تمثل قمة التقدم و آخر صيحة في عالم الاغتراب. إذ يجلس الطفل بمفرده و حيدا أمام جهاز أصم يتحاور معه بكفاءة عالية حسب برنامج مقرر نتيجته معروفة ، ألعاب لاتعرف الضحك أو البكاء ، و لا هي الحارة و لا هي بالباردة ، ألعاب تهدر إنسانية الإنسان ، فالإنسان هو من يأتنس بغيره من البشر .
علاوة على هذه العناصر المادية الصارخة التي تَصم  هذا التقدم الذي تحيز عموم الناس له – نخبة و عامة – ، كما أبرزها الدكتور عبد الوهاب المسيري ،  نجده كذلك سيرورة  لا هدف لها و لا غاية لأنه نابع من عقل مادي أداتي ملتزم شكليا بالإجراءات و التقنيات دون هدف أو غاية و يوظف الوسائل لأجل غايات دون تساؤل عن مضمونها ، وهو فوق كل هذا يمتحُ من الرؤية الداروينية للكون أي  الرؤية التي تقول بالتطور إلى ما لا نهاية سواء بغاية أو بدون غاية . و بالتالي ، لا غرابة في أن نجد مفكرا غربيا مثل ماكس فيبر يؤكد أن رشد الحضارة الغربية – زعيمة نمط التقدم الذي نتحيز له – ينصرف إلى الإجراءات و حسب و لا ينطبق على الأهداف .
على سبيل الختم، يبقى مفهوم " التقدم " من المفاهيم التي تحتاج إلى مراجعة في معجمنا الفكري و السياسي و لن يتم ذلك إلا بالانفكاك عن التحيز للرؤية الغربية للحياة و الإنسان . فالتقدم الذي يستبعد الجوانب الأخلاقية و الإنسانية  لا يؤدي سوى لخراب العلاقات الاجتماعية و مخاصمة الفطرة البشرية و لا أدل على ذلك من شرعنة الشذوذ الجنسي أو ما يسمى بالزواج المثلي قانونيا قبل شهور معدودة في دولة جد متقدمة !
...تابع القراءة

| 0 التعليقات ]




يعد القيام بتوضيح حقيقة معركة معينة و طبيعتها من الأمور المهمة و اللبنات الأولى التي تمكن من  استيعاب الخصوم و المتغيرات و الثوابت بغية النجاح في نهاية المطاف في كسب نتيجة المعركة  ، و لكون الساحة التلمذية هي الأخرى تشهد معركة شرسة قطب رحاها هو التلميذ و هو المستهدف فيها كان لزاما فتح النقاش حول  طبيعة المعركة فيها  و حول التحديات القائمة بباحات المؤسسات التعليمية و حول الآمال المعقودة على التلميذ .

1/ معركة ضد التخلف العلمي و التقني :
إن المدرسة هي المحضن الأول للمعرفة و المعقل الأول الذي تتلقف فيه الأجيال العلوم ، فإذا فشلت المدرسة في أداء رسالتها المعرفية خابت الآمال منذ البداية في الوصول إلى مجتمع المعرفة المنشود . لذلك كان ، انطلاقا من حث الدعوة الإسلامية على طلب العلم و لو في الصين !، على حملتها أن يجاهدوا لدعوة التلاميذ للاهتمام بالمعرفة على الأقل في المدرسة . إن جهود الحركة الإسلامية يجب أن تنصب في هذا الإطار، المعرفة الحقيقية أولا .. أن لا تكف أنشطتها التلمذية عن الدعوة إلى التفوق المعرفي و الاقتدار العلمي في كل المجالات .
إن المعرفة الحقيقية طريق الحضارة و الدليل إليها، و الدعوة الإسلامية كان لزاما عليها أن تستلهم من تاريخ الحضارة الإسلامية الدروس و العبر خصوصا في مرحلتها الثانية : مرحلة " العقل" حسب ترتيب مالك بن نبي لمراحل الحضارة.
إن المستوى العلمي لتلامذتنا لا يبشر بخير بل يدعونا إلى مساءلة حول مشاريع محاربة الأمية ! .و كما قال أحد الباحثين: "والواقع الذي لا يمكن إنكاره، يعتبر خير شاهد إدانة مستمر لمستوى الطلاب والتلاميذ، بما تنتجه الجامعات والمدارس في الغالب من شخصيات مهزوزة فارغة من العلم، أمية أو شبه متعلمة، بعيدة عن التفكير والاجتهاد والتبصر بالنتائج والاعتبار بالعواقب، لا تتقن سوى المطالب والتنظير، والمطالبة بالحقوق والتفنن في إهمال الواجبات، وكما أن المطالبة بالحق حق، فإهمال الواجب باطل."(1)

2/ معركة ضد اللاوعي الهوياتي و القومي( الإسلامي)  :
من جهة أخرى ، تعد معركة محاربة القيم الاستهلاكية النفعية المادية التي غزت صفوف المجتمع المسلم ومنه التلميذ من أشرس المعارك و أشدها ضراوة تلك التي تخوضها الدعوة الإسلامية ؛ فاللامبالاة التي تطبع نفسية التلميذ الحالي و عدم الاكتراث بهموم الوطن سواء الصغير و الكبير بل عدم الوعي أحيانا بها . علاوة على الهرولة إلى مسكنات و مخدرات في قالبيها المادي ( و هي المعروفة : الحشيش ، الهروين .. السجارة )   و المعنوي ( الأغاني التي تكرس اللامعنى و اللاقيمة ) للهروب من تحديات الواقع و ما يفرضه من كدح متواصل و عمل دؤوب .مصداقا لقوله تعالى : { يَا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه } .  ( سورة الانشقاق: 6 ). إن المخدرات بنوعيها يجب أن تحارب من طرف الدعوة الإسلامية من منظور مخالف للتصورات الوضعية التي لا تنفك في طرحها تناقش أعراض المرض و المشكل و بالتالي فهي ضمنيا تدعو إلى التطبيع معها.
قلت ، إن هذه المعركة مُحَددة بالنسبة لمصير المعارك الأخرى ، فإذا نجحت الدعوة في أن تحسس التلاميذ بهويتهم و انتمائهم فإنه آنذاك بعد أن يعرف التلميذ ذاته سيسعى لإثباتها على المستوى المعرفي و سينأى بشكل تلقائي عن الانحلال الأخلاقي.
3/ معركة ضد الانحلال الأخلاقي :
انطلاقا  من حديث الرسول صلى الله عليه و سلم: " كل أمتي معافى إلا المجاهرون" ، يتبين مدى خطورة الفسق المشتهر أي الفجور الذي يسود وسط التلاميذ في المؤسسات التعليمية داخلها و خارجها . فالمجاهرة بمعصية الله تعالى هي كالمرض المعدي السهل الانتشار المدمر لمناعة الجسم. و الأمر المهول في الأمر  ، هو اعتبار هذا الانحلال الأخلاقي أمرا واقعا لا مفر من التطبيع معه بل وصم كل من تسول له نفسه إنكاره و لو بأضعف الإيمان : أي القلب – بشتى نعوت التزمت و العُقد و عدم الواقعية و الرجعية و الماضوية .. و لا يخفى أن أعداء الأمة يراهنون منذ مدة على الجبهة الأخلاقية في تطويعها لأنها آخر قلعة تحتمي بها .
من هنا معركة الدعوة الإسلامية في الساحة التلمذية على المستوى الأخلاقي تبتدئ من محاولة إعادة ترميم ذلك السد المنيع و الحصن الحصين أمام كل أنواع الشذوذ و ذلك الحس النقدي تجاه كل منكر ( المبدأ الأصيل في الإسلام: الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر) . الذي ما فتئ المصطفى صلى الله عليه و سلم يؤكد عليه بل يعتبر كل فاقد مجتمع فاقد لذلك الحس مجتمعا ميتا .و من ذلك : اعتبار معاكسة التلميذات من طرف التلاميذ رذيلة ليس دونها رذيلة و أن التبرج و العري و السفور فتنة كبيرة ... هذا الحس النقدي إذا تُوُفر لدى التلميذ فهو من الأهمية بمكان بالنسبة للدعوة الإسلامية سواء على المستوى القريب أو البعيد: حين يصبح هؤلاء التلاميذ هم رجال الغد و نساؤه و من ثَم يكون المجتمع نظيفا و سد منيعا أمام النزعات التحللية و التفسيخية.

4/ معركة ضد الثقافات المترهلة السائدة حاليا :

إن الدعوة الإسلامية يجب أن تعلنها مرة أخرى : حرب لا هوادة فيها مع هذه الثقافات التافهة الضيقة الأفق السائدة في الساحة التلمذية ، حرب ضد :
- ثقافة "الانهزام" : و تسود هذه الثقافة غالبا لدى بعض التلاميذ الذي يصنفون ضمن خانة" المثقفين" قياسا لمنسوب الثقافة لدى التلاميذ بصفة عامة.هؤلاء التلاميذ ثقافتهم المحدودة لا تتجاوز محتوى الكراسات و المقررات الدراسية  مع بعض " الخربشات" هنا و هناك من الأنترنت أو التلفاز أو الشارع . هذه الفئة من التلاميذ مستواها الدراسي ما بين مستحسن إلى الحسن ( أو أكثر ، لكن النسبة الغالبة هي ما تم ذكره ) إلا أنها فئة مهمة من التلاميذ و أغلب الظن أن تكون الفئة الثانية بعد جماعة " المنحلين و ضحايا مشاريع الانحلال" ، حديث أغلبية تلاميذ هذه الفئة مبني على انطباعات شخصية و تحليلات فردية للواقع و المستقبل و العلاقة مع الغرب ..على العموم هي  فئة تستحق من الدعوة الإسلامية كل الانتباه و الاستهداف باعتبارها الفئة الوحيدة من التلاميذ التي تناقش " نقاش بسيط" و لديها حس وطني .و المقصود ب"ثقافة الانهزام" : الاستسلام للأمر الواقع أي اعتبار حالة الركود  و التخلف الحضاري الذي تعيشه أمتنا حالة لا مفر من التطبيع  معها و لا جدوى وراء محاولات إصلاحها  بالإضافة إلى  الانبهار بالآخر " الغرب" ..
- ثقافة "الانسحاب" : هذه الثقافة أو بالأحرى هذا السلوك – سلوك الانسحاب- مستفحل بشكل كبير في أوساط التلاميذ الملتزمين سواء المتدينين تدينا عاديا ( تدين اجتماعي ) أو المتدينين تدينا" حركيا" نسبة إلى أبناء الحركات الإسلامية . في الحقيقة هذا الاسم " الحركي" لا ينطبق على مسماه : أي تدين التلاميذ من أبناء الحركات الإسلامية ؛ فالحركية بما تحمله من حمولات ثقيلة كالإيجابية و الرسالية و الفاعلية قلما نجدها في تدين التلاميذ من أبناء الحركات الإسلامية . فالانعزال و الانسحاب من المعركة و الساحة هي السمة التي تطبع سلوك هؤلاء التلاميذ ، حتى المخالطة إن وُجدت تكون مخالطة سلبية أو طريقا للذوبان في بوتقة الأوضاع الكارثية السائدة في المؤسسات التعليمية  .
- ثقافة "اللامبالاة" :هي الثقافة التي تغزو المؤسسات التعليمية بشكل كبير ، هي ثقافة مقرونة بالانحلال الأخلاقي  و الفشل الدراسي،   أصحابها لا يكترثون بعوائلهم و لا وطنهم و لا أمتهم .باختصار لا يبالون بأي شيء عدا شهواتهم الهابطة و مظاهرهم الفجة . 

(1) عبد الكريم القيلالي .مقال : الطالب و التلميذ و دورهما في فشل التربية و التعليم .( موقعه الالكتروني) .
...تابع القراءة

| 1 التعليقات ]




أصدرت مجلة " الصحوة" عددها الثاني بحُلة جديدة  و هي مجلة تلمذية أنشئت من طرف  مجموعة من التلاميذ رواد جمعية الآفاق الثقافية بتيزنيت، تعنى بهموم المجتمع التلمذي  و مستجدات الساحة التلمذية و باستثارة نوازع الإبداع و الإقلاع لدى التلاميذ  . و قد ضم العدد الثاني مجموعة من المقالات التي سلطت الأضواء على الساحة التلمذية ( التلميذ النموجي ، المجتمع التلمذي و سؤال الأخلاق ، أضواء على الدعوة الإسلامية في الساحة التلمذية  ، ظاهرة الفساد في الساحة التلمذية، الدعوة إلى الله في أوساط التلاميذ ...) و باقة من  الإبداعات الأدبية في الشعر و القصة القصيرة ، علاوة على حوار كان ضيفه ( رئيس جمعية الآفاق الثقافية ذ.حسين الشهيبي )  و صفحة رصدت أخبار المجتمع التلمذي و خواطر تحررت من القيود ( مواضيع: اختيار الاصدقاء ، اصنع مستقبلك).

تجدر الإشارة إلى أن العدد الأول تم صدوره  في يوليوز2012 ، و تهدف المجلة من خلال المواد التي تعرضها  إلى  إعادة طرح سؤال ضرورة قيام الصحوة الإسلامية في الساحة التلمذية  ( بعد الصحوة التي بدأت في السبعينات انطلاقا من المؤسسات التعليمية و انتهت بلفظ النزعة الماركسية إلى الأبد) :  صحوة في وجه التخلف العلمي و التقني الذي تعيشه أمتنا و الذي تبدا أسبابه من المؤسسات التعليمية ، صحوة في وجه اللاوعي الهوياتي (و  الاستلاب الحضاري ) ، صحوة في وجه الثقافات المترهلة السائدة حاليا في الساحة التلمذية ، صحوة  في وجه الميوعة و الفجور  الذي يغزو الساحة التلمذية و الذي  قد يفوق خطورة العدو الماركسي سابقا لسبب بسيط هو أن هذا الأخير عدو واضح برموزه أما هذا العدو الجديد فهو عدو لا رأس له و لا رجلين يشكل ظاهرة لافتة الأنظار تنذر بمستقبل مجهول للتلميذ المغربي المسلم.
يُذكر أن هيئة تحرير المجلة هيئة تلمذية تتكون من مجموعة من التلاميذ بشُعب مختلفة : مبارك بنسالم  ( أولى باك علوم تجريبية ) ، يوسف عدان ( ثانية باك علوم شرعية) ، أحمد أمين بومسو  ( أولى باك علوم تجريبية ) ، محمد أمين العزاوي ( جذع مشترك تكنولوجي) بالإضافة على رئيس التحرير مروان السيحي( جذع مشترك علمي ) و تلاميذ آخرين.
بريد المجلة : mag.sahwa@gmail.com



...تابع القراءة

| 0 التعليقات ]




أثارتني الأسطر التي كتبها الأستاذ عصيد بل استفزني عنوانها ( عشاق الحرية الجدد ) و ما يعني العنوان، وحده، من أن أولئك العشاق الجدد كانوا يحبون العبودية إلى درجة الهيام و أصبحوا حاليا عشاقا للحرية ! و صادف نشر ذلك المقال، أن كنت مستغرقا في قراءة كتب –أحد شهداء الدعوة الإسلامية  في الفرن العشرين – المعلم سيد قطب .فوجدت فيها، أن المعلم، كان سابقا لزمانه، كان سابقا لصحوة الجماهير المسلمة تجاه الحريات في الربيع الديمقراطي! بل استوقفتني كتاباته طويلا و جعلتني أقول : إن الحياة معركة من أجل الحرية.
ربما ما أعلمه أن الإسلام – و الذين يعتبرهم الكاتب عشاقا جددا للحرية ما هم إلا دعاة إلى الإسلام (1)-  هو الذي جاء بأول ثورة تحريرية امتدت آثارها و نسائمها  إلى قرننا هذا ؛ حرر العقول من الشبهات حول الحقيقة الإلهية و حرر النفوس من الشهوات الهابطة بالكينونة الإنسانية و حرر الأجساد و الأبدان من الرق و العبودية. و أطلق صيحة مدوية حينما أقر بمبدأ لا إكراه في الدين – الذي لم تصل إليه بعد الأطراف  الدولية ! – ( لأن الدم المسلم مازال رخيصا يستبيحه القاصي و الداني بل يعبث به  أشقاء القردة الخنازير ! ) . و ترك للمرء حرية الاختيار في أخطر شيء مخير فيه و هي عقيدته  .قال تعالى : [ و من شاء فليؤمن و  من شاء فليكفر ] . لكن الأمر الذي يلتبس على كثير من الناس اليوم هو أن ما تثيره الشبهات الرائجة من لدن الأسواق العَلمانية حول حرية الدعوة؛ حيث تعتبر ذلك كبتا منذ البداية للحرية . و لماذا ذلك ؟ لأنه ببساطة ، حين ينعدم القصف الإعلامي الممنهج ضد شريعة الإسلام و توضح للناس حقيقة الإسلام و أنه عقيدة ينبثق منها نظام اجتماعي ، لم تعرف البشرية أعدل منه ( ليس هذا كلاما إنشائيا ناتج عن عاطفة جياشة تجاه منهاج الرحمان في الحياة بل هو ناتج هن قناعة راسخة نتيجة قراءات و تأملات ذاتية في الموضوع ) . و أن في ظلاله الحرية الحقيقية التي يلهث وراءها الجميع و العزة الإنسانية لبني آدم و الكرامة الإنسانية للخلق . و حلاوة الإيمان التي يذوقها من كان الله و رسوله أحب إليه مما سواهما . أكيد أن هذا النداء الرباني سيتدسس بلطف إلى خفايا نفس المدعو و إلى حنايا ضميره ( خصوصا إذا كان على اطلاع على باقي المذاهب الوضعية و قارنها بالإسلام ).
الحرية قبل أن يدعو إليها الأستاذ قطب ، دعا إليها القرآن قبل قرون و قرون [ و ما أنت عليهم بمسيطر  ] و جعلها أساس التكليف، و جسدها المصطفى صلى الله عليه و سلم في الواقع و سيرته حافلة بالمواقف التي ترك فيها العبد يختار عقيدته حتى في اللحظات التي يكون فيها على استطاعة " استعمال الحديد و النار بدل الإقناع و الحوار"  ، بل حتى في الحدود الشرعية التي تثير أعداء الإسلام  و التي يقيمون الدنيا و يقعدونها من أجل تأكيد ماضوية و تاريخانية هذه الأحكام التي جاءت فيها نصوص قاطعة تنذر " و لا تأخذكم بهما رأفة في دين الله" .حتى  هذه الحدود لم يطبقها المصطفى صلى الله عليه و سلم إلا بعد الاقتناع الكامل لمرتكب أو مرتكبة الجريمة بشناعة هذه الكبيرة .( قصة الغامدية و مالك بن ماعز) .يعني أن الحرية مرة أخرى مبدأ أصيل في طبيعة هذا الدين، يعني كذلك أن الحرية مقترنة بالمسئولية ؛ فمالك بن ماعز و الغامدية لهما كامل الحرية  و لكن عليهما تحمل مسئولية و تبعات أعمالهما .في قصة المخلفون الثلاثة عن غزوة تبوك عبر و عظات في تعامل المصطفى مع حرية الإنسان ..
من هنا نقول ، بأن مفرق الطرق بين الإسلام و مناهج البشر هو كون الإسلام يترك للإنسان كامل حرية و بعد أن يقع في خطأ نتيجة النسيان أو التعثر أو عدم التوازن بين مطالب الجسد و الروح، يجند الإسلام كامل قدراته التواصلية لإقناع المخطئ بخطئه و آنئذ يقتنع من تلقاء نفسه بجرمه و يعود تائبا ضارعا إلى المولى جل و على  يطلب أن يُقام عليه الحد عن قناعة و اختيار بعدما تبين له أن قطع اليد أو الجلد أو الرجم..في هذه الدنيا " التي لا تساوي جناح بعوضة "و  الآيلة إلى الزوال و الفناء أهون بكثير من عذاب جهنم أبد الآبدين و العياذ بالله. أما مناهج البشر فهي تخضع لأهوائهم لا تعلي قيمة عليا تحلق بهم و تستعلي بهم أمام نوازع الجسد و شهواته ( البطن و الفرج : لأنها غالبا أصل كل جريمة ؛ فمن السرقة اليدوية  إلى نهب أموال الدولة بالتزوير و الصفقات المشبوهة ..و كذلك المسكرات ..بالإضافة إلى الزنا و مقدماته و الشذوذ ما هي إلا عبودية للغريزة الجنسية ) ، فهي إن أخطأ الإنسان لا تحاول تصحيح خطئه بل تباركه و تشجعه لأنه يخدم مشروعها المجتمعي ..و تدعي أنها تشيع الحرية بتركها الجرم يمر دون مساءلة. و لا تستيقظ هذه الأنظمة الوضعية إلا بعد كارثة  إنسانية ناتجة عن عدم التوقف عند الجرائم و محاولة لإصلاحها ( فهي لا تعتبرها جريمة !! ) مثلا : لا يتم التوقف عند المسكرات بشتى أصنافها ( الخمور ، المخدرات و السجائر ..) إلا بعد ظهور سرطانات يستعصي معها العلاج و أوبئة قاتلة آنذاك يستيقظ النظام الوضعي ليعي ليحافظ على البقية الباقية من الحياة ، لأن المنتسب لهذه المذاهب الوضعية ، و إن كان يعتقد بالدار الآخرة و البعث و النشور فهي أمور لا تستحق كل هذا الاعتبار و بالتالي لا يأمل كثيرا في الحياة الأخرى فيكتفي بهذه الحياة التي يظللها فجأة شبح الموت ( بسبب المسكرات ). بخلاف الإسلام ، فقد أعلنها صيحة مدوية منذ خمسة عشر قرنا ( كل مسكر خمر و كل خمر حرام ) ( و لا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ) إنه نظام لا يحابي أحدا بل يحابي فقط فطرة الإنسان التي لا يعلمها إلا خالقها( ألا يعلم من خلق و هو اللطيف الخبير ) . و قصة نبذ الصحابة للخمر -  المعروفة - تستحق أن يدرسها الباحثون في القانون الجنائي ، قصة يتأصل فيها مرة أخرى مفهوم الحرية في الإسلام ؛ أنه دين سلاحه الإقناع بالحكمة و الموعظة الحسنة، دين يأبى الله عز و جل إلا أن يجعل فترته الذهبية التي ترجم فيها إلى نظام اجتماعي مستقى من القرآن مع محدودية زمنها و مكانها خالدة تُعلم البشرية ، حتى التي فتت الذرة و اقتحمت المجرة، البشرية التي حاولت في أمريكا سنة 1929 منع الخمر استجابة لنداء الفطرة فغلبت أهواء البشر و تراجعت عن منعها. يعلمها القرآن بعد خمسة عشر قرنا أن المنع لا يكون إلا عن اقتناع بعد أن يتمتع الجميع بحريته.المشكلة إن المذاهب الوضعية لا تعتبر من سنن الأحداث و التاريخ ، فها هي في موضوع السيدا مرة أخرى تحاول أن تلتقي في نصف الطريق مع هذا الوباء ، استجابة مرة أخرى للهوى و حيوانية الشهوة الهابطة ابتكرت حلا وسطا هو " العازل الطبي و ما يدور في فلكه " تاركة حلا واضحا كل الوضوح ، أعلن عنه مرة أخرى قبل خمسة عشر سنة ، و هو ( و لا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة و ساء سبيلا) ، إن الله تعالى عندما يختار الألفاظ ليس من دواعي الإطناب بل إن كلامه تعالى يحمل حكما بليغة و أسرارا عميقة يجب التوقف عندها. مشكلة الانتحار و الاكتئاب ذاع صيتها في الآونة الأخيرة ، تحاول مرة أخرى النظم الوضعية أن تعالجها بالمسكنات و المهدئات غافلة عن حل لا حل غيره : ( ألا بذكر الله تطمئن القلوب) ( ففروا إلى الله ) .كيف يمكن أن نفسر الانتحار في الدول الاسكندلافية التي فيها قمة رغد العيش ، فيها الديمقراطية ، فيها الحرية المجنونة ، فيها المطالب المادية بوفرة .. إلى ماذا يسعى الإنسان في هذه الحياة ؟ البشرية جمعاء إلا من رحم ربي يعتبر أن الغاية هي هذه المتوفرات في الدول الاسكندلافية ، فهل حققت نسائم الحرية المجنونة و الأموال الطائلة و السيارات الفارهة سعادة الإنسان .سؤال يطرح نفسه بقوة : لماذا يرتفع نسبة معدلات الانتحار في هذه الدول و الدول السائرة في نفس الطريق ؟ لماذا الحياة التي أغلى ما يملكه الإنسان و يكدح من أجلها  ينتهي منها بهذه البساطة ؟
إن الحرية التي لا تحقق للإنسان ذاته و سعادته لا طائل من ورائها ، بل ليست حرية أصلا و إنما مجرد وهم ..إن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و الحرية لا يفترقان ؛ فالمسلم الحر هو الآمر بالمعروف و الناهي عن المنكر لأنه إنسان أحس بأنه تحرر من كل العبوديات الزائفة فأراد أن يتمتع إخوانه بنفس الحرية فراح يدعوهم إليها . بكلمة، إن الحرية شعور نفسي داخلي قبل أن تكون ممارسة ، و هذا ما يرميه الإسلام من الإنسان أن يحس بأنه حر من كل سلطان و كل طاغوت و كل شهوة و ينطلق في رحابة العبودية لله تعالى .

* كتبت الديباجات الأولى لهذا المقال منذ 10 أشهر تقريبا بعد ان نشر ذ.أحمد عصيد مقاله الموسوم ب:" عشاق الحرية الجدد" في 25 ماي 2012 بهسبريس. 
(1) أذكر هذا لأن عصيد في مقاله ذكر الأستاذ مصطفى الرميد بالاسم كنموذج " عاشق جديد للحرية !" و المطلع على كتاب ذ.التليدي " ذاكرة الحركة الإسلامية المغربية " سيرى أن الأستاذ مصطفى في معرج حديثه عن بداياته في الدعوة و التربية و نضال ذكر كتابين للشهيد سيد قطب : " دراسات إسلامية" و " معالم في الطريق" فضلا عن تفسير " الظلال" كمواد أساسية مبرمجة  في مجالسهم التربوية .و المتأمل في فكر الشهيد سيد قطب سيرى أن فكرة " العبيد" هي المركزية فيه و مقابلها الحر و هو المسلم الذي فهم حقيقة الألوهية حقيقة الفهم .من مقالات كتاب " دراسات إسلامية" التي تشير إلى ذلك : "العبيد ..." ، " ضريبة الذل" .. . إن يسر الله سننشر دراسات مستقبلا عن فكر الشهيد .
...تابع القراءة