| 4 التعليقات ]













خضع مفهوم الحداثة لتأويلات و تفسيرات لا تعد و لا تحصى ، كل مفسر يحاول أن يتخندق في زاوية ليعطي التعريف الأسلم , حسب ظنه , للحداثة ، فالبعض يرد المفهوم لسياقه التاريخي ، بينما يحاول البعض الآخر النظر و التمعن في دلالات المفهوم الفلسفية و الميتافيزيقية ، و بين هذا و ذاك تضيع الحقيقة و تضل الغاية المشودة ، فليس من المعقول  أن نبحث في المفهوم دون سبر لجذوره التاريخية و ظروف النشأة ، كما أنه من العيب أن نفصل المفهوم عن الحقل المعرفي و الفلسفي الذي ينتمي إليه .
لا يختلف اثنان في أن '' الحداثة '' بمعناها التاريخي جاءت كرد فعل تاريخي متطرف ضد الظروف السائدة في عصور الظلمات التي عاشتها أوربا تحت وطأة الحكم الثيوقراطي الكنسي المتأله و تحت نير الإقطاع و الظلم الاجتماعي .. فكانت الحركة الحداثية نزعة تحررية انعتاقية ضد الكبت و الحرمان الذي تعرضت له لأمد من الزمن ، أحيت حركة '' الحداثة '' خلالها العقل الذي حاول التأله الكنسي المتزمت تخديره و تعطيل العمل به , و بذلك بزغت الحركة العلمية,  كنتيجة لإعمال دور العقل ,  التي تعرضت بدورها  في ظل الحكم الكنسي للوئد و الإعدام ، كل هذا ساهم في تفتق ذهن الإنسان الأوربي و انبهاره بفلسفة الحريات الكثيرة التي أصبح يتمتع بها حتى وصل به الأمر إلى تقديس العقل و إنكار الغيب من الوحي ... و على هذا الأساس  مهدت أوربا لنهضتها الحضارية الشاملة التي  انتشلتها من التكور الحضاري الذي عاشته ، فتكتلت الإقطاعيات و الدويلات الأوربية التي كانت حية في قرون ما قبل '' ترسيخ الحداثة'' حتى وصلت إلى تكتل موحد جمع شمل الدول الأوربية و هو ما تجسد اليوم في '' الاتحاد الأوربي '' الذي تأسس في منتصف القرن العشرين .
و يعرف الأستاذ امحمد الطلابي الحداثة فيقول : '' تعريفي للحداثة تعريف أو مفهوم تاريخي . مستمد من دلالات مصطلح الحداثة في وقائع التاريخ الغربي الحديث , فالحداثة ليست أكثر من تحديد لأركان المشروع الثقافي الوضعي كما تم تنزيله في القرون الخمسة في بيئة الغرب الحديث . و هما ركنان كبيران: أولا القطع مع الماضي الوسيط , و ثانيا الوصل مع الماضي القديم لضمان الارتقاء الحضاري في الحاضر و المستقبل ( ...) ''. و تعرف بعض المناهج التعليمية المغربية , الحداثة بكونها سيرورة تاريخية تعكس التحولات التي تعيشها المجتمعات البشرية بالانتقال من أنماط تقليدية إلى أخرى عصرية في الفكر و الإنتاج و التنظيم الاجتماعي و السياسي و الحضاري .
و تعريفي للحداثة , ينطلق من الواقع بعد أن رست سفن أوربا التي كانت في اتجاه حداثتها , إلى أين وصلت  بعد سيرورة أكثر من ثلاث قرون ؟ في اعتقادي , الحداثة هي العصرنة هي ترك ما هو أصيل و أصلي و التحرر من قيوده لبناء مجتمع و دولة متقدمة حديثة عصرية ؛ إنها الحداثة عند الغرب هي التحرر من القيم الأصلية الأصيلة الفطرية باسم التقدم ، إنها الحداثة التي تطلق العنان إلى أبعد مدى لحرية الفرد على حساب الجماعة ؛ ففي فرنسا مثلا ، هناك يقف العاشقان في الطريق العام متعانقين متشابكين ، مستغرقين في قُبلة عميقة لذيذة ، فلا يكدر صفوهما الأنطاع من دعاة الفضيلة ، و يقف رجل البوليس يحميهما من حركة المرور أن تزعجهما قبل الانتهاء من هذا " البوز " الفني الجميل ، والويل كل الويل لمن ينظر إليهما نظرة استنكار، فإنه يبوء وحده بالاحتقار و الازدراء ! إنها الحداثة التي تدعو إليها الدول الغربية السائرة على درب فرنسا ، و أذنابهم من الحداثيين من بني جلدتنا ..
 أن الحداثة في مفهومها الغربي عارية من القيم و الأخلاق و الفضائل باسم الحرية ، تلك سيئاتها و ما أدرانا بإيجابياتها الكُثر ، نعم ففوائد الحداثة الغربية كثيرة بمنطق مُنصف فهي التي اخترعت آليات حملت عاتق المشقة على الإنسان ، و هي التي تمنح لكل مواطن فرصة إبداء رأيه في الحكم ، و تمنحه الحريات الفردية والسياسية ، لكن إذا كان المواطن مسلما فالأمر يختلف لأنه يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله !! رغم تعارض ذلك مع القانون الذي ينص على الحرية لجميع المواطنين بدون استثناء . ففي فرنسا المُنقبات لهن كامل الحرية في اختيار لباسهن لكن مع الأسف يدفعن فدية على ذلك !!! و المحجبات لا حق لهن في العلم و العمل رغم كفاءتهن العالية ؟؟ كأنما الكفاءة هي في إظهار قسمات الوجه و تلوينات الشعر .. من يدري لعلها كذلك ؟
تلك قصة الحداثة الغربية التي تمنح الحرية لللادينيين و المسيحيين و اليهوديين و البوذيين ... و تتنكر لها إذا كان الفرد مسلما . أما الحداثة في مفهومها الإسلامي فتختلف عن الحداثة الغربية فهي تنطلق من أصالة الإنسان  من تراكمات منجزاته الحضارية سعيا  للرقي بها و المضي بها نحو المستقبل ، سعيا منها لتغيير نمط حياته و تطويرها نحو الأفضل ليعيش في سعادة حقيقية يوازن فيها بين غذائه الروحي العبادات و غذائه العقلي و الفكري العلم و غذائه الجسمي الرياضة .. تحترم إرادة الفرد و حريته لكن في حدود ؛ فذلك المشهد الذي ذكرنا آنفا هو ضرب للحرية و ليس بحرية ولا حق في شيء فالمواطنون الذين يمرون بذلك المشهد من دعاة الفضيلة يتقززون من مشاهده ، تنتهك حريتهم و سلامتهم النفسية و المعنوية ، أو لا يستطيع العاشقان الاختلاء أم أن التظاهر بالقُبلات فريضة أمام الملإ .. إن الحداثة في الإسلام حداثة فريدة من نوعها أعمق دلالة من نظيرتها الغربية تسعى للرقي بالإنسان و حضارته إلى المستوى الطبيعي منطلقة من هويته و مرجعيته و أصالته لتبني حضارة جديدة أكثر ازدهارا و إشعاعا على دنيا و دين ...
********
الهوامش :
- '' شبهات حول الاسلام''  للمفكر الاسلامي محمد قطب .
- مجلة الفرقان .العدد 50 / 1425- 2004

4 التعليقات

moussi يقول... @ 7 يناير 2012 في 3:11 م

انا احييك على هده التدوينة اولا اما ثانية فاني ادعوك الى ان تقوم بتنطيم تدوينتك شيئا ما فاللون الاسود وحده يعمي العين ويشعر القارئ بالمملل

AMINE يقول... @ 7 يناير 2012 في 3:58 م

الشكر الشكر فإن من يوصل إلى عقولنا أفكار كهذه يستحق أكثر من ذلك إن الحداثة بذاك المفهوم ناتجة عن الفكر العلماني الذي أرخى سدوله في اوروبا أواخر القرن15 وإن الدول الإسلامية لا تحتاج إلى أي منهما لتحقيق الرخاء والتطور

goulha يقول... @ 12 يناير 2012 في 11:03 ص

واصل على هذا الدرب فحتما ستصل

غير معرف يقول... @ 19 مايو 2013 في 4:15 م

لله درك يا ابن بطوطة

إرسال تعليق