| 0 التعليقات ]




محور تجديد الوسائل في العمل الإسلامي يكمن في ذلك البحث الدائب عن كل جديد مفيد لبث الرسالة في أوساط أكبر عدد ممكن من الناس. و الدعاة الصادقون، الذين يغارون على الرسالة، يؤرقهم دائما سؤال تجديد الوسائل.
أحد هؤلاء، الشيخ راشد الغنوشي دائما ما يدعو الشباب الغيور على العمل الإسلامي إلى اقتحام شعب العلوم الإنسانية و الاجتماعية (علم النفس، علم الاجتماع، علم الاقتصاد) لاستخدام آلياتها المهمة في فهم أعمق و تحليل أدق لطبيعة مجتمعاتنا، لتوظيف هذه التحليلات في اختيار الوسائل الأنجع للتدسس بلطف إلى نفوس الناس و التأثير في حياتهم إيجابا. يقول الأستاذ راشد: "بعد انتهاء الحرب الباردة أصبح الاقتصاد يمثل أهم ميدان في الصراع الدولي، و هذا ما يجعل الشباب الإسلامي مدعًوا لأن يتجه إلى الميدان الاقتصادي الحر بتأسيس الشركات و التعاونيات، و أن يعتبر هذا الميدان من ميادين الجهاد الإسلامي المعاصر".( مسيرة الصحوة الإسلامية: نقد و تقويم. ص: 22. الطبعة الأولى. مركز الراية.  2005 ).
"من مظاهر القصور في استيعاب الواقع المحلي و الدولي ضعف تخصصات الإسلاميين في المجالات العلمية المتعلقة بتشخيص الظواهر الإنسانية كالاقتصاد و السياسة و الاجتماع و الصحافة و الفلسفة و التاريخ و الجغرافية و علم النفس و التربية و الأنتربولوجيا و السينما و الآداب و الفنون، مقابل إقبالهم على العلوم التطبيقية التي – على أهميتها – تغوص في الجزئيات و لا تسعف كثيرا في رسم الاستراتيجيات الكبرى". (ص:94)
"إنه لمكسب عظيم أن تربي –الحركة الإسلامية- الشباب الصالح في مجتمع يزخر بالإغراءات و لكن هذه التربية نفسها ينبغي ألا تكون معزولة عن استراتيجية الحركة الإسلامية في التغيير في المجتمع.(ص:196) خذ مثلا الطلبة المنتمين إليها، فهي لا توجههم إلى اختيارات و تخصصات محددة لخدمة خطتها. و آية ذلك ما ترى عليه الإسلاميين من إقبال على الكليات العلمية و التخصصات الطبية و الهندسية، لسبب واحد هو الإغراءات المالية التي تقدمها للخريجين و تضاءلت بذلك العناصر الإسلامية في الكليات الأدبية و التخصصات الإنسانية". (ص:197)
 واضح من كلام رئيس أكبر حركة إسلامية بتونس الشقيقة، أن  ضعف الاشتغال على الآليات الحديثة في العمل الإسلامي يشكل حجر عثرة يعيق وصول الرسالة إلى أفئدة أكبر فئة ممكنة من الناس. فالفتوحات المهمة التي شهدتها العلوم الإنسانية منذ القرن الأخير، كفيلة بتمتيع الحركة الإسلامية بنظرة أجود لطبيعة المشكلات الحقيقية التي تعاني منها مجتمعاتنا و من ثَم طبيعة الحلول المقترحة لمقاربة هذه المشاكل.
 من الدعاة الموفقين -كذلك- الذين يحملون هَمَ التجديد في الخطاب الدعوي، الأستاذ المقرئ الإدريسي أبو زيد الذي طالما نادى بدوره إلى توظيف البدائل الجديدة في خدمة واجب تذكير الناس بربهم.
"أجمع الفقهاء في أسلوب انتقادهم في منابر الوعظ، على الحديث عن فساد الزمان و الحديث عن كل الحركات الباطلة و المبطلة، التي تقوم هنا و هناك، فتجد الفقيه على منبره مرة يرد على هذه الصحيفة الاشتراكية، و مرة يواجه هذه الاستمارة النسوية، و مرة يرد على هذا المذيع التلفزيوني، و مرة ينبه الناس إلى كتاب ظهر لسلمان رشدي أو لغيره.. طبعا هذا شيء من المدافعة المطلوبة شرعا، و هذا باب من أبواب الجهاد عظيم. و لكن متى يفكر الداعية التقليدي قبل أن يكتب سلمان رشدي رواية فاجرة و يقوم هو بلعنها على المنبر و تحريم قراءتها على المسلمين، متى يفكر أن يفكر أن ينشئ ناديا فكريا، و أن يحتضن فيه شباب الأدب و هم مازالوا مراهقين عندما يكون عند الشباب الاستعداد المفتوح لأن يحتضن من أي منبر، ثم ينظم ندوات أدبية، ثم يتعاون بالمال الذي يجمعه لإنشاء مطبعة، ثم يقوم بطباعة هذه الأعمال الأدبية، ثم يراعي هؤلاء الشباب حتى يصبحوا عندما يصلون إلى سن اشتداد العود و نضج التجربة الأدبية مبدعين يكتبون الروايات، يملؤون بها الساحة و يقدمون بها البديل؟ و الشاب الذي لا بد له أن يقرأ الرواية، و الفتاة المراهقة التي لا بد لها أن تقرأ الرواية، لا بد لهما  من شيء من الخيال و الهيمان، لا يستطيعان أن يقرآ كتابا فكريا جادا، فيجدان  هذه الرواية، يستغنيان بها عن أمثال سلمان رشدي". (المقرئ الإدريسي أبوزيد، "الحركة الإسلامية بين الفكر و الواقع"، ص:23).
دعوة الأستاذ أبي زيد الدعاة و المصلحين إلى طرح البديل و استخدام الأدب و كتابة الروايات، دعوة جد معقولة؛ خصوصا و أن أي حركة اجتماعية تحمل هَما إصلاحيا و مشروعا مجتمعيا و تطمح إلى تأطير وجدان الناس و توجيههم نحو القيم التي تؤمن بها لا بد لها من مناشير أدبية و ثقافية تُلهم أحلام الناس و تداعب خيال الأطفال و تغذي فكر الكبار و ترسم خيوط حياة الإنسان المنشود. فأوروبا لم تنجز ثورة قيمية و لا ثورة صناعية و لا ثورة تقنية معلوماتية أي باختصار لم تًنَزل مشروع الحداثة على الأرض إلا بعد أن رست معالم المشروع الثقافي و النموذج الحضاري المُراد في العديد من الإنتاجات الأدبية و الفكرية لكبار الأدباء و المفكرين الأوروبيين.
قيم العدل و العفة و الطهارة الأخلاقية و الإحسان في العمل و المعاملة و الارتباط بالصلاة و الدار الآخرة و غيرها من العناوين التي تُبشر بها الحركة الإسلامية لا يمكن- إذن- أن تنتشر و تنتصر في أوساط المجتمع إلا بعد أن تُترجم في منتجات فنية و أدبية و فكرية ليصل صداها إلى المهووس بالسماع للأغنية و محب مشاهدة الفيلم و المسرحية و قارئ القصة و الرواية و المتلقف للكتب الفكرية.
إن الدعوة إلى الاهتمام بالعلوم الإنسانية و استخدام الوسائل الفنية و الأدبية في خدمة الدعوة و المشروع و الرسالة جديرة بأن تُحتضن بقوة من طرف أبناء الحركة الإسلامية  خصوصا في المرحلة الراهنة.



0 التعليقات

إرسال تعليق