| 5 التعليقات ]




النقاشات الجارية اليوم تذكرنا بحقيقة مفادها أنه إذا أردنا التخفيف من وطأة البؤس الذي يعيشه الفقراء بسرعة، وإذا أردنا الحد من الفوارق الاجتماعية التي تتصاعد على الصعيد العالمي. فإن الطريقة الوحيدة الكفيلة بذلك هي انتزاع المال –بالضريبة التصاعدية على الدخل- من الطبقات العليا.
هذا ما يقترحه الاقتصاديون للإجابة على معضلة الفوارق. ولكن، مهلا! من الصعب اختزال عالم اليوم في حلوى يمكن اقتسام أطرافها وفق مشيئتنا. إنه عالم صارت فيه حركة رؤوس الأموال، التي يمتلكها الأثرياء، هي القاعدة، وبإمكانهم ترحيلها وتصديرها إلى أي مكان تهربا من "الضريبة".
للأسف، رؤوس الأموال لها أيضا صوت. ولكنها الحقيقة المنسية في النقاشات الجارية حول "العقد الاجتماعي الجديد" أو حول "التوزيع الجديد للرأسمال العالمي".
في بعض البلدان، حينما تفشل الحكومات في فرض الضريبة على الأثرياء (خوفا من هروبهم أو لأنهم فروا سابقا برؤوس أموالهم)، تلجأ حينها إلى انتزاع جزء من الثروة من الطبقات الوسطى لإسعاف الطبقات الدنيا المعدمة.
إنها خلاصة موجعة؛ التخفيف الحقيقي من الفوارق الاجتماعية لا يتناغم مع حرية حركة رؤوس الأموال. لأن هذا سيقود إلى التفكير في مراجعة حرية حركة رؤوس الأموال، وإلى إعادة إغلاق الحدود، وإلى منع الشركات من تسيير خزائنها وفق مشيئتها، وإلى حرمان الخواص (الأفراد) من حيازة العملات الأجنبية لتوظيفها في الأعمال أو المعاملات التجارية أو الأسفار أو العطل. هل هذا ممكن؟ ربما.
إذن؟ هل نكف عن السعي إلى الحد من الفوارق؟ أو نلجأ إلى ما نفعل اليوم، في فرنسا وفي كل أنحاء العالم، وهو امتصاص جزء من مؤهلات الحياة الكريمة للطبقات الوسطى (les moyens de vivre) لتوفير مؤهلات البقاء على قيد الحياة ((les moyens de survivre للطبقات الدنيا؟
هكذا، سنُفجر ثورة الطبقات الوسطى، ولن نكتسب رضا الطبقات الدنيا، وسيُسَرُ الأثرياء (الطبقات العليا) لأنهم سيذهبون بعيدا للاستمتاع بثرواتهم.
هذا هو المسكوت عنه في النقاشات الجارية اليوم، وهذا ما يخفيه اقتصاديو اليمين واليسار بعناية، للدفاع عن خلفيات مختلفة ولكنها في الواقع جد مترابطة.  
ما العمل إذن للتخفيف من هذه التفاوتات الفاحشة التي تسود العالم؟ من الناحية المثالية، ينبغي تشييد حكومة عالمية يتسيدها الحق، وتتمتع بديمقراطية في القرار، وتعمل على تحديد مستويات معينة، الحد الأقصى والحد الأدنى، للمداخيل ولكل ألوان الثروة. ولكن من الناحية الواقعية، هذا غير ممكن.  ولكن هذا ما ينطوي عليه كلام الذين يدعون إلى فرض ضريبة ضخمة على رأس المال، وتحديد مستوى معين للمداخيل.
هناك سياسة أخرى للتصرف؛ هي صعبة، وأقل ديماغوجية، ولهذا لا تثار في وسائل الإعلام، ولكنها جد فعالة. يتعلق الأمر بالخطوات التالية:
-          المساواة بين قواعد الضريبة على رأس المال في المناطق التي تعرف تبادلا حرا للسلع والرساميل البشرية.
-          فرض الضريبة على رأس المال المستثمَر في الأسهم، كما هي حالة رأس المال العقاري،  ما لم يتم استثمار مبلغ معادل لهذه الضريبة بشكل دائم في العمل الاجتماعي وفي خدمة البيئة.
-           الحد ما أمكن من الفقر المدقع بالرفع من المداخيل المتدنية جدا.
-          والأهم هو توفير شروط النجاح لكل فرد من أجل شق مساره.
بكلمة، فعل كل ما يمكن من أجل أن يصبح الجميع غنيا، وليس من أجل تفقير الأغنياء القلائل.
هذا يفترض وجود تكافئ للفرص أمام الجميع؛ في التكوين، في الحصول على القرض، في الاحترام، في الدعم، وبالخصوص –وهذا هو الأصعب- في الولوج إلى شبكات التأثير (l’accès à des réseaux d’influence).

إذن، النضال من أجل الحد من الفوارق الاجتماعية مسألة أكبر من تُترك للاقتصاديين أو المتخصصين في السياسة الضريبية وحدهم. إنها قضية علماء الاجتماع، ورجال القانون، وخبراء البيداغوجيا. وهي قضية تستدعي قبل كل شيء أهم المهن التي لا تُتعلم في أي مكان؛ مساعدة الآخرين على اكتساب الثقة بالنفس.

° ترجمة لمقال المفكر الاقتصادي الفرنسي "جاك أطالي" المنشور يوم 17 دجنبر 2018 على موقعه الالكتروني تحت عنوان "العمل، وراس المال، والعالم". اخترت له هذا العنوان "لماذا الخوف من أخنوش؟" : لأن المقال - بغض النظر عن خلفيات صاحبه الإيديولوجية والسياسية: يمكن أن يأتي الوقت للخوض فيها - يتحدث عن خوف "موضوعي" لدى جميع الحكومات في العالم من هروب أصحاب رؤوس الأموال (لأن الجميع يريد أن يستقطب  الاستثمار الأجنبي ويضع لذلك تحفيزات) ولهذا يكون هؤلاء فوق "الدولة". فنحن في عصر حكم "الشركة" التي حلت محل الدولة.
يمكن العودة إلى مقالين سابقين في المدونة: "العمل ورأس المال" (في دجنبر 2017) ومقال "ما العمل، إذن؟" (في نونبر 2018).
نحسب أن المقال طرح سؤالا جيدا وربما الإجابة لا تشفي الغليل. المهم أن السؤال جيد ويكشف "مثالية" بعض اليساريين. ولكن، الليبراليين ليسوا بمنأى عن المثالية!! رغم أنهم جميعا يرمون "الدينيين" فقط بالمثالية، كأنهم بمعزل عنها!!

5 التعليقات

غير معرف يقول... @ 19 فبراير 2020 في 5:49 م

Avec tout mon respect et mon amour, repose en paix cher compagnon, qu'Allah ait ton âme en sa sainte miséricorde. Ceci n'est qu'un aurevoir, nos retrouvailles seront dans la demeure éternelle inshaallah.

عليوى الحسين يقول... @ 21 فبراير 2020 في 6:24 م

رحمة الله تعالى عليك اللهم اجعل عمله في ميزان حسناته انعم بالجنة إنشاء الله

ELMEHDI FIKRI يقول... @ 10 يونيو 2021 في 2:46 م

رحمة الله المتجددة عليه ، لقد كان رحمه الله قلما كاتيا ومترجما ومفكرا حرا قبل كل شيء.

ELMEHDI FIKRI يقول... @ 10 يونيو 2021 في 2:47 م

رحمة الله المتجددة عليه ، لقد كان رحمه الله قلما كاتيا ومترجما ومفكرا حرا قبل كل شيء.

ياسين يقول... @ 12 يونيو 2021 في 7:23 ص

رحمك الله الأخ أيوب تحليل رائع و نظرة ثاقبة

إرسال تعليق