قبل أزيد من قرن و نصف اجتاحت أوربا العالم الإسلامي تحت قناع يحمل عنوان الرغبة في إدخال الحضارة و التنمية إلى بلاد الإسلام .ترى هل طلبنا منهم هذه الحضارة المزعومة التي نجتر ويلاتها اليوم جراء طغيان الجانب السلبي فيها على الجناح الإيجابي الذي لا يمكن تجاوزه ـ إن كنا منصفين ـ ؟؟
و ضع المستعمر في خريطته الذهنية الاستعمارية أهداف عدة يمكن اعتبارها ثانوية ؛ منها استنزاف خيرات البلاد ، تصريف الفائض من المُنتجات ، جَعْل المستعمَرة بلدا ملحقا بالبلد المستعمر ( الجزائر مثلا كانت ملحقة لفرنسا ، حتى سُميت آنذاك بفرنسا الثانية من 1831م إلى 1963م ) . ربما سيتساءل القارئ عن أهمية هذه الأهداف و عمقها ، لكن مهما بلغت تلك الأهمية فإنها وقتية ستنتهي حتما بانتهاء الاستعمار بعد بزوغ المقاومات الوطنية المُنطلقة من الكتاتيب القرآنية و المعاهد الإسلامية ..
و كل هذه الغايات التي سطَّرها ، المستعمر لبلاد الإسلام ، عَنْوَنَها بعنوان كبير و هو الاختراق الثقافي و القِيَمي للدول المُسْتعْمرة ، و مسح الطابع الإسلامي فيها ..
انتهى الاستعمار المباشر في أغلب بلدان العالم الإسلامي ، فكان هَمُّ المحتل المهزوم المدحور؛ تتويج ذلك الاختراق المذكور آنفا بمشروع استعماري جديد ٬ غير مباشر ، له عناوين و أدوات جديدة و استراتيجيات كبرى نذكر بعض معالمها فيما يلي :
ـ اقتلاع الارتباط الراسخ لدى المسلمين بالعودة إلى القرآن الكريم و السنة النبوية المطهرة ، و محاولة تجفيف منابع التدين .
ـ البحث في المُستعمرات السابقة ، عن أذناب و تلامذة الاستعمار لكي يحكموا البلاد و العباد و يسهلوا تفعيل الخطط الاستعمارية على أرض الواقع ..
ـ المساهمة في محو لغة و هوية و ثقافة البلد المسلم بظهور ما يسمى الفرنكفونية و غيرها من المخططات الجهنمية التي تهدف إلى قطع صلة المسلم مع تاريخه و تراثه ..
ـ تشجيع الزوايا و الطرق الصوفية و غيرها من البدع ، للابتعاد عن الاسلام الصافي الذي مصدره القرآن الكريم و السنة النبوية ، لأن هذه الزوايا لا تشكل خطرا للمستعمر فهي ـ تسمو بالإنسان في المعالي بروحه ـ و تعتبر الدفاع عن الثروات التي ينهبها المستعمر الغاصب ، تشبث بالحياة و الأمور المادية ..
و ضع المستعمر في خريطته الذهنية الاستعمارية أهداف عدة يمكن اعتبارها ثانوية ؛ منها استنزاف خيرات البلاد ، تصريف الفائض من المُنتجات ، جَعْل المستعمَرة بلدا ملحقا بالبلد المستعمر ( الجزائر مثلا كانت ملحقة لفرنسا ، حتى سُميت آنذاك بفرنسا الثانية من 1831م إلى 1963م ) . ربما سيتساءل القارئ عن أهمية هذه الأهداف و عمقها ، لكن مهما بلغت تلك الأهمية فإنها وقتية ستنتهي حتما بانتهاء الاستعمار بعد بزوغ المقاومات الوطنية المُنطلقة من الكتاتيب القرآنية و المعاهد الإسلامية ..
و كل هذه الغايات التي سطَّرها ، المستعمر لبلاد الإسلام ، عَنْوَنَها بعنوان كبير و هو الاختراق الثقافي و القِيَمي للدول المُسْتعْمرة ، و مسح الطابع الإسلامي فيها ..
انتهى الاستعمار المباشر في أغلب بلدان العالم الإسلامي ، فكان هَمُّ المحتل المهزوم المدحور؛ تتويج ذلك الاختراق المذكور آنفا بمشروع استعماري جديد ٬ غير مباشر ، له عناوين و أدوات جديدة و استراتيجيات كبرى نذكر بعض معالمها فيما يلي :
ـ اقتلاع الارتباط الراسخ لدى المسلمين بالعودة إلى القرآن الكريم و السنة النبوية المطهرة ، و محاولة تجفيف منابع التدين .
ـ البحث في المُستعمرات السابقة ، عن أذناب و تلامذة الاستعمار لكي يحكموا البلاد و العباد و يسهلوا تفعيل الخطط الاستعمارية على أرض الواقع ..
ـ المساهمة في محو لغة و هوية و ثقافة البلد المسلم بظهور ما يسمى الفرنكفونية و غيرها من المخططات الجهنمية التي تهدف إلى قطع صلة المسلم مع تاريخه و تراثه ..
ـ تشجيع الزوايا و الطرق الصوفية و غيرها من البدع ، للابتعاد عن الاسلام الصافي الذي مصدره القرآن الكريم و السنة النبوية ، لأن هذه الزوايا لا تشكل خطرا للمستعمر فهي ـ تسمو بالإنسان في المعالي بروحه ـ و تعتبر الدفاع عن الثروات التي ينهبها المستعمر الغاصب ، تشبث بالحياة و الأمور المادية ..
( 2 )
نجح المشروع الاستعماري إلى أبعد مدى ، في تحقيق أحلامه ، حتى صار الأجنبي : المشرك ، الملحد و الكافر و المسلم ، اللذان كانا نقيضان لا يلتقيان ؛ صديقين حميمين ، نسختين من جنس واحد في الخُلق و منظومة القيم ، منتسبين إلى مدرسة فكرية واحدة تدعو إلى الحداثة الغربية ، إلى الحضارة المتوحشة بأسس علمانية ، حتى اندثر الإسلام في الواقع ( المؤسسات ... ) إلا من رحم ربك من بعض من فطن للمكيدة المدبرة التي تحاك ضد الأمة الإسلامية .. أو من تشبث بالتقاليد من أهل القرى و الأرياف غالبا ..
شرب أهل المشروع الاستعماري نخب النصر ، و ظنوا أنهم ملكوا الأرض إلى يوم الدين ، بعدما تيقنوا من تخدير العالم الإسلامي بمخدرات من كل جانب ؛ التدمير الأخلاقي و اللهث وراء الشهوات و الاهتمام الزائد بالماديات . فبحثوا لإخوان القردة والخنازير عن مظلة تظلهم و كيان يجمعهم بعدما تشتتوا في المعمور .. و لم يجدوا غير الأرض الإسلامية و موطن الأنبياء و مسرى النبي الأمين خاتم المرسلين أرض خليل الرحمان فلسطين ـ الجرح الغائر في جسم الأمة الإسلامية ـ !!
لكن فرحة المستعمر لم تستمر فسرعان ما تبددت و سقط من يده الكأس الذي شرب منه نخب النصر ؛ كل ذلك بفضل بزوغ عقول نيرة و أفكار قيمة تتقد حماسة و تتمزق غيظا لما تتعرض له الأمة ، بدأت عملها بدعوة الشباب المسلم إلى الحق و التوبة عن فكر الأعداء .. و التحرر من عقال المادية المجحفة و من قيود نير الشهوات .. فَطَفا على السطح ما يسمى بالصحوة الإسلامية و هذه تجلياتها ؛ عودة الشباب إلى المساجد ، توبة النساء من التبرج ( الذي ظنَنْنه سابقا تقدما و حضارة ) إلى الزي الإسلامي ( الشرعي ) و العفاف و الإحصان ، عودة مدرسة رمضان لاستئناف عملها في تخريج و تهذيب المسلمين .. الرجوع إلى المعجزة الخالدة ( القرآن الكريم ) و سنة الحبيب المصطفى في شتى مناحي الحياة : الأخلاق ، المعاملات ( إفشاء السلام ...) ، الاقتصاد ( محاربة الربا ، الرشوة ، المطالبة بفتح التمويلات الإسلامية ) ، تميز الشخصية الإسلامية في مظهرها ( إطلاق اللحى ، الحجاب ..) . لكن في السياسة الأمر مختلف ، ليت شعري ، متى نعود إلى تطبيق الشريعة بحذافيرها ؟
( 3 )
لكن رغم هذه العودة النسبية التي ذكرت ، فقد عاد المستعمر بقناع جديد و لون مختلف و نَفَسٍ طويل و خطر شديد ( الخطر الصهيوأمريكي على الأمة ) ، و ما زلنا نجتر ويلات المشروع الاستعماري الحداثي ، مع ظهور سياسة أخطر و هي التمييع و التفسيق و التضليل و تفسيخ هوية الشباب المسلم و الاستماتة من أجل سلخه عن حضارته الضاربة في أعماق التاريخ ...
فهل نجح المشروع الاستعما ري ؟ إنه نجح ثم فشل و عاد إلى الرهان بشراسة و اندفاعية أكبر من الأولى .. فهل هناك من يغار على هذه الأمة المجروحة لِيُلَمْلم جراحها ؟ نحتاج فعلا إلى فطنة أكبر و تعاون أوسع و مقاومة أشد ، لِنُبعِد عنا الخطر الاستعماري الجديد. !!
* المقال منشور في جريدة "القدس العربي" في عدد السبت و الأحد 8/9 من أكتوبر 2011