" لقد كان التعاطي مع ملف التعليم و الفقر
في المغرب تعاطيا تقنوقراطيا صرفا، و عرف هذان الملفان تعثرا بينا رغم كل الجهود
التي بذلت و تبذل.. و لكن ألا يبدو أن من أسباب التعثر: السعي إلى إسكاب الواقع في
قوالب جاهزة و عدم ربط التعليم بمنظومة أخلاق و ثقافة المجتمع؟
ليست المسألة هينة أو
سهلة، و لكن أليس اعتماد مقاربات كمية سواء فيما يتعلق بعدد المتمدرسين و عدد
الأساتذة و المنقطعين يحجب نوعية التعليم الذي يراد تلقينه و الذي يغيب وسط جلبة
من الأرقام.. ما معنى أن ندفع بجودة التعليم كما لو أنه بضاعة؟ ("مرآة الغرب
المنكسرة"، حسن أوريد، ص: 179. الطبعة
الأولى:2010).
إن المنهج التقنوي الجاف
هو عنوان إخفاقاتنا في المسلسلات الإصلاحية التعليمية. فالتردد في تحديد أي
تلميذ/طالب نريد اليوم ؟ و بالتالي: أي مجتمع نريد في الغد القريب؟ هو أم المزالق
و المشكلات.
و لا شك أن الهروب من
السؤال الحقيقي الذي يطرح البعد الكيفي و الاستعاضة عنه بالغرق في المقاربات
الكمية باعتماد النهج التقنوي في التعاطي مع هذا الملف الساخن: راجع أساسا إلى
درجة حرارة المسألة الديمقراطية في هذا الوطن.
فإذا حسمنا فعلا في
الاختيار الديمقراطي و كنا نطمح حقا لمجتمع ديمقراطي قوامه إنسان متحرر من كل
ألوان الوصاية و الاستلاب، متمتع بكرامة إنسانية و قدرة مُقَدرة على التمييز و الاختيار
بين الخطوط و التوجهات، إنسان يجيد لغتين: لغة "لا" إلى جانب لغة
"نعم". فالسياسة التعليمية ستتجه رأسا نحو هذا المثال المنشود و ستُمكن
التلميذ/الطالب من الاطلاع على: مختلف الأفكار و تاريخها، أهم الفلسفات و مراميها،
رسالة الحركات الاجتماعية و السياسية و شعاراتها، التحولات الجارية و ما تحمله في
أحشائها، فلسفة العلوم و تاريخها و كدح
الإنسانية الطويل الساعي للتحرر من كل أوهاق الطغيان و الاستعباد و الاستبداد.. هكذا
بهذه المعرفة و الرؤية الشاملة –التي من الواجب تغذيتها بالمطالعة الحرة- بإمكان
التلميذ/الطالب أن يكون مواطنا حرا كريما قادرا على الاختيار و الإسهام في الرقي و
البناء عصيا على مساعي المغالطة و الاستغفال.
أما إذا كان التردد حليف
المسألة الديمقراطية ببلدننا؛ فأكيد أن التخبط سيلازم تناولنا للمسألة التعليمية،
و لتغطية الشمس بالغربال سنَضيع – و نُضَيع معنا الأجيال- مرة أخرى و مرات وسط
جلبة الأرقام –كما قال د.أوريد- و نبقى
أسرى المقاربة التقنوية: نحصي عدد الأساتذة و المتمدرسين و عدد المقاعد.. و نقوم
باستدعاء الاختيار التقنوقراطي؛ حيث ننتج كائنات بشرية تجيد لغة واحدة هي المدح و
التصفيق، تعيش من أجل اللهث وراء المادة و تنسى الحرية و الكرامة، لا تحلم نهائيا
بحياة أخرى خارج نسق سدنة التحكم و أباطرة الفساد و الاستبداد، تعدم حس التساؤل
ناهيك عن إحساس التطلع لمحاسبة المسؤول
و ممارسة الدور الرقابي في البرلمان بالشكل المطلوب.
إن المسألة التعليمية و
المسألة الديمقراطية بينهما ارتباط وثيق؛ فإما الاختيار الديمقراطي حيث نوجه
التعليم نحو تأهيل إنسان حر كريم عميق الانشداد إلى هويته الأصيلة و تربته
المغربية العزيزة و ملتحم بشدة بأسئلة
التحولات الجارية. و إما الاختيار التقنوقراطي حيث تكون عملية التعليم ماثلة نحو تخريج كائن بشري كفء –نعم- لكن قابل
ليعيش الضيم في ظل مناخ التحكم و الاستلاب و الاستبداد.
0 التعليقات
إرسال تعليق