2/ في الحاجة إلى الحركة التلمذية مرة أخرى :
إن السؤال الذي طرحناه سابقا , من الأهمية بمكان ، و يتوقف عليه جزء من الإصلاح الثقافي الذي نعنيه و يعود بنا إلى تاريخ التلميذ المغربي في النصف الثاني من القرن الماضي .
مما لا شك فيه أن مرحلة السبعينيات بالخصوص طبعها المد الماركسي الغازي لمختلف المؤسسات المصنعة للأجيال القادمة ( منظمة إلى الأمام و منظمة 23 مارس أبرز المنظمات الماركسية ) ، فالجامعة لا صوت فيها إلا صوت الملاحدة ( الصوت الإسلامي مازال خافتا في بداياته ) و الثانوية أيضا كانت معقلا لهم و لا أدل على ذلك من السنين البيضاء التي عرفتها المدرسة المغربية بسبب الإضرابات المنظمة من طرف جحافل الماركسيين ( أشهرها في موسم 1971/1972 ) أو ما يعرف آنذاك بالحركة التلاميذية . لكن ما يهمنا هو أن التلاميذ المتأثرين بالأدبيات الماركسية يقرؤون و يناقشون و تحفل المؤسسات التعليمية و الداخليات التي يرتادونها بالصالونات الفكرية ، حتى التلميذ الذي لا يقرأ و لا يطالع جراء حضوره لكثير من النقاشات الفكرية هو الآخر يكتسب معارف عديدة . في المقابل هذا المستوى الفكري عند الماركسيين دفع البراعم الأولى و الجيل الأول من الحركة الإسلامية المعاصرة إلى المطالعة و العض على الثقافة الإسلامية بالنواجذ , فبالإضافة إلى القرآن الكريم كان كتاب وحيد الدين خان ، على سبيل المثال ، ( الإسلام يتحدى ) الحصن الحصين للبراعم الأولى لأنه يفند ترهات الملاحدة بمنهج علمي دقيق .. لذا أعود فأقول إن أهمية النقاش الفكري ضرورية لاكتساب المعرفة، لأن الآخر حينما يطرح سؤالا ( حول وجود الله ! لأنه هو النقاش الدائر آنذاك و لا مكان الآن لهذا الموضوع . لأن الملاحدة في المؤسسات انقرضوا! ) يدفع الثلة المسلمة من التلاميذ للمزيد من المطالعة لقطع حبال الشكوك عن الموجود الواجب الوجود سبحانه و تعالى .. لذا ترى إيمان تلك الثلة الأولى بالفكرة الإسلامية أقوى و إقبالها على الدعوة الإسلامية أشد.
إذن يتبين أن الإصلاح الثقافي في الدلالة الثانية التي أشرنا إليها في مفهوم الثقافة المقصود يتمثل في كيفية إيجاد ثقافة حقة و ليس إصلاح ثقافة معينة و هي من العدم ! و المستفاد تاريخيا من تجربة الحركة التلاميذية ; أن التلميذ يكتسب الثقافة بالقراءة أولا ثم النقاش الفكري ثانيا ليتثقف الذي لا يقرأ ثم أخيرا طرح السؤال المؤرق لتيار فكري معين فيعود به إلى المنهل الأول و هو القراءة . و يلاحظ أن الفئة التي درست و عايشت تلك المرحلة من مختلف الأطياف الفكرية هي النخبة التي تتصدر المشهد في البلاد حاليا و البعض منها قام بمراجعات ( الماركسيين و الملاحدة سابقا ) و البعض مازال يتمسك بشيوعية ماتت و أراد أن يحييها !!
على سبيل الختام ، تبقى الحاجة ملحة حاليا إلى بناء حركة تلمذية , تختلف عن الحركة التلاميذية ذات النزعة اللادينية ، فجولة الباطل انتهت و جولة الحركة التلمذية ذات الصبغة الإسلامية آن أوانها ، فإن كانت الحركة التلاميذية سابقا تجاهر بالإفطار العلني في رمضان بالتدخين و غيره في ساحات المؤسسات التعليمية فإن الحركة المنشودة يجب أن تجاهر بالدعوة إلى الله تعالى في باحات المؤسسات و أن تأمر بالمعروف و تنهى عن المنكر ( بمعنى الإصلاح الثقافي بمدلول الثقافة الأول : فلسفة التلميذ ) ، أي يجب كما أسلفنا أن تؤمن الحقوق التربوية للتلاميذ قبل الحقوق المادية التي تعدها الحركة التلاميذية اللادينية سابقا أولى الأولويات ! بالإضافة إلى هذا الدور يجب أن تحمل الحركة التلمذية المنشودة على عاتقها إعادة الاعتبار للمعرفة و الثقافة ( بدلاتها الثانية ) لدى التلميذ .
0 التعليقات
إرسال تعليق